adnan.h@almadapaper.net
حتى يوم أمس لم أكن أعرف أن لدينا في العراق بلدة أخرى تحمل اسم سويب أو السويب، فما كنت أعرفه أن السويب نهر تقوم عليه بلدة صغيرة بنفس الاسم في قضاء القرنة بمحافظة البصرة، بالذات في تلك المنطقة المُشبع تاريخها بالاساطير والحكايات، عند ملتقى دجلة والفرات والفوهة العليا لشط العرب.
تابعتُ أمس برنامجاً تلفزيونياً من نوع برامج النقل الحيّ المباشر على قناة "آسيا" الفضائية. البرنامج ذهب إلى هذه البلدة الجديدة، بالنسبة لي، سويب، الواقعة في أحد الاطراف الجنوبية الغربية للعاصمة بغداد.
هي بلدة لا تفرق في شيء عن سائر البلدات العراقية، بل لا تفرق حتى عن المدن، كبيرها وصغيرها .. بلدة جدّ بائسة، حالها التعيسة تفضحها هيئات الناس ووجوههم التعبى، والشوارع المُتربة غير المبلّطة والمزدحمة بالنفايات وبالفضلات الصناعية وغير الصناعية.
أكثر ما اشتكى منه السكان أمام الكاميرا أن مياه الشرب شحيحة لديهم مع هذا الحر التموزي الكافر .. ما أكثر ما تنقطع إمداداتها، وإذا ما سالت في الانابيب فإنها عادة ما تكون عكِرة ومشبعة برائحة كريهة، هي رائحة مياه الصرف الصحي (المجاري) التي لا مواسم لفيضانها في بعض شوارع البلدة، فهي مقيمة هنا إقامة دائمة. ومما يفاقم معاناة الناس الانقطاعات المتكررة وطويلة الأمد للكهرباء، وهذه مشكلة عامة شاملة وأبدية في ما يبدو مع الفساد المتوطّن في دولتنا.
الكلام المُرسل الذي قاله بعض السكان أمام الكاميرا كان على بساطته مشحوناً بالشعور الحادّ بالمرارة والإحباط واليأس، حتى أن إحدى النساء قالت، وهي تتساءل عن أسباب إهمال الدولة لهم وتركها إياهم في هذي الحال : "إحنة شمسوين؟.. إذا ما تريدونا خلونا بالسجن أو هجّرونا الى بلد آخر"!
السيدة ، وهي أميّة على الأرجح، لا تُدرك أنّ الذين وجّهت إليهم الخطاب يريدونها وسائر الناس أن يبقوا على حالهم هذه، فقراء، معدمين ، أميين ، متخلفين، كيما يواصلوا فسادهم ولينغمسوا فيه أكثر.. هي لا تُدرك أنهم يريدونها وأمثالها فقط من أجل أصواتهم التي تُعيد انتخابهم المرة تلو الأخرى باسم الدين والمذهب.
بينما انتهت " آسيا" من برنامجها، كانت قناة أخرى تعرض صورة لحقيبتين مفتوحتين مليئتين بعشرات الرزم المؤلفة من مئات الدولارات.. قالت القناة إن الحقيبتين وجدتهما فرقة تفتيش تابعة لهيئة النزاهة عندما دهمت بيت أحد كبار المسؤولين في محافظة البصرة متّهم بالفساد الإداري والمالي.. المسؤول هذا، كما سائر المسؤولين في المحافظة، هو من حزب إسلامي نافذ في الدولة.
كم تمنيتُ لو كانت تلك السيدة من بلدة سويب البغدادية ترى ما كنت أراه على هذه القناة، لكي تُدرك واحداً من أسباب المعاناة الرهيبة لها ولبلدتها ولسائر العراقيين وبلداتهم ومدنهم، ولكي ترى بأمّ عينها كيف أن الذين تنتخبهم باسم الدين والمذهب يسرقون لقمة عيشها وحقوقها باسم الدين والمذهب أيضاً.