يجلس محمد، خلف المقود الذي يدوره بسهولة ومهارة مجتازاً سيارات متوقفة عدة بسبب زحام تسبّب به حادث سير، فيما تبدو ملامح السخرية من أحد ركابه الذي اضطر للتنقل بواسطة (التوك توك) بعد أن يأس من الحصول على سيارة كيا أو باص تصل به الى ساحة التحرير التي أغلق
يجلس محمد، خلف المقود الذي يدوره بسهولة ومهارة مجتازاً سيارات متوقفة عدة بسبب زحام تسبّب به حادث سير، فيما تبدو ملامح السخرية من أحد ركابه الذي اضطر للتنقل بواسطة (التوك توك) بعد أن يأس من الحصول على سيارة كيا أو باص تصل به الى ساحة التحرير التي أغلقت أغلب مداخلها. أما الراكب الآخر، فيبدو عليه انه معتاد على (التوك توك)، والتنقل به من منطقة الى آخرى، في حين تمسك الراكب الثالث الذي جلس قرب محمد، بعتلة خصّصت لهذا الشأن ...
تاكسي الفقراء
بعد انتشار ظاهرة "الستوتة" في العراق وبخاصة في بغداد وبعض المدن الدينية والتي عدّت من الظواهر الجديدة والغريبة على الشارع العراقي الذي اختصرت طريق النقل فيها على نوعية معينة من الباصات أخرها ما يعرف بـ(الكيا) بعد أن كانت الكوستر متسيدة نقل الركاب.
دراجة نارية بثلاث عجلات صغيرة الحجم زوّدت بمقاعد متواضعة بصفين متقابلين يصطف بكل واحد منهما أربعة ركاب هذه بالنسبة للستوتة، التي أثار دخولها الى الشارع العراقي الكثير من الجدل، فضلاً عن الحوادث المرورية ومضايقاتها لأصحاب السيارات الأخرى إن كانت الخاصة في السير أو الكيّات في نقل الركاب.. أما الوافد الآخر (التوك توك) دراجة نارية أيضاً لكنه اصغر حجماً وأقل عدداً لنقل الركاب، إذ يقتصر على نقل ثلاثة ركاب فقط ..
بسبب الاجراءات الأمنية والتفجيرات والقطوعات المفاجئة، وجد (التوك توك) فرصته في الشارع، إذ يقول الشاب محمد قاسم لـ(المدى): بسبب غلق معظم شوارع العاصمة ايام التظاهرات، وجدنا أن هناك فرصة لدخول التوك توك الى منطقة نقل جديدة، بعد أن كان دخوله مقتصراً على بعض الاحياء الشعبية بسبب ضيق أزقتها. مضيفاً: أنه يعمل بحيوية في شارع السعدون وبخاصة أيام الجمع وغلق الشارع امام حركة السير بسبب التظاهرات. متابعاً: لكنه عاد منذ أشهر الى مدينة الثورة، كما بيّن، ويعمل الآن في سوق الأولى.
التوك توك يتعرض للمضايقات
في السابق كانت العربات الخشبية متكفلة بنقل كبار السن والمرضى من منطقة القطع صوب مرقد الكاظمين لكن بمرور الوقت تحولت المهمة الى الستوتات ثم الى سيرة العتبة، واخيراً دخل التوك توك الى الكاظمية وبقية المدن الدينية، فرقد كاظم كما يعرف بالتعهد يملك مجموعة من التوك توك يقوم بتأجيره لقاء مبلغ يومي معين يتكفل المستأجر بالوقود والأعطال البسيطة الناجمة عن العمل اليومي، فيما يكون العطل الكبير الناتج عن الاستهلاك وقدم الادوات على عاتق المالك كما بيّن ذلك. ويضيف كاظم: بسبب كثرة مناطق الغلق في مدينة الكاظمية، خطرت فكرة استخدام الستوتة أولاً، ولأنها شملت بالمنع في بعض المناطق استعن بالتوك توك. منوهاً: الى أنه أدى وظيفة مهمة متمثلة بنقل النساء وكبار السن والمرضى من الفقراء بشكل خاص الذين لايقون على دفع أجرة التاكسي. لافتاً: الى وجود بعض المضايقات من اصحاب السيارات التاكسي العاملة داخل الكاظمية.
ضياء يوسف أحد الشاب الذين يستأجرون التوك توك من المتعهد، بيّن لـ(المدى) كنت اعمل مع مالك ستوتة باليومية. مستدركاً: لكن بعد دخول التوك توك، والاقبال المتزايد عليه ولقدرته دخول مناطق تعجز الستوتة من دخولها، ارتأيت الانتقال للعمل عليه. مشيراً: الى سهولة قيادته أولاً، وقلة عدد الركاب، اذ يقتصر على ثلاثة فقط عكس الستوتة.
وأضاف يوسف: أن اغلب النساء يفضلن التوك توك في التنقل، خاصة في المناطق الشعبية والتسوق اليومي. منوهاً الى سهولة صعوده أولاً، وسرعة وصوله الى المكان المراد. لافتاً: الى أن الستوتة تعد بمثابة سيارة نقل عام، أي تصل الى نقطة معينة، وهذا عكس التوك توك الذي يمكن أن يوصل الراكب الى باب البيت.
خسر التاكسي وربح توك توك
يزداد الطلب على التوك توك من قبل الشباب العاطلين كوسيلة لطلب الرزق، بعد شح الأعمال خاصة لخريجي الجامعات، ومنهم خريج كلية الآداب فؤاد عباس، الذي فقد الأمل بالعثور على فرصة عمل ملائمة، وبعد أن جمع بعض المال من عمله في أحد المطاعم، لكن سوء معاملة صاحب المطعم وتجاوزات بعض الزبائن، أجبرته على ترك العمل وشراء توك توك، بعد أن استدان مبلغاً من المال، يقول فؤاد: بعدما تركت العمل في المطعم واثناء التسوق الذي كلفتني به الوالدة، شاهدت احد الاصدقاء في المنطقة يعمل على التوك توك. مبيناً: أن الفكرة استهوت خاصةً بعد أن عرف سعره المناسب، والوارد الملائم الذي يمكن أن يجنيه منه. متابعاً: اشترى التوك توك بعد أيام ورتبه كي يكون مميزاً، وفي اول يوم للعمل في سوق بيع الفواكه والخضار في بغداد الجديدة، جنى مبلغاً لابأس به ما دفعه الى الاستمرار بذلك، وها هو يقضي قرابة 8 أشهر بعمل على التوك توك.
في حين تختلف حكاية حسن أبو سجاد، الذي اضطر الى العمل على التوك توك، بعد أن خسر سيارته التاكسي في حادث سير، موضحاً: أن الثمن الذي باع به السيارة لايجلب له غير ستوتة أو توك توك، الذي فضّله في آخر الامر. مضيفاً: في كل حال كانت السيارة تأتي (بكيس المسواك) كما يفعل التوك توك الآن. متابعاً: الشيء الوحيد الذي يفرق، أن في التاكسي تكون مساحة العمل فيه اكبر، في حين تقتصر في التوك توك على المنطقة السكنية وبأجر معلوم.
أما اسعد كريم، فقد بيّن أنه اضطر للعمل على التوك توك بعد أن فقد عمله في بسطية (بيع الخضروات) الذي كان يعمل بها بأجر يومي بسبب خلاف مع مالكها. مبيناً: أحد اصدقائه طرح عليه أن يعمل معه بالتوك توك، بدل أن يركنه بالبيت اثناء ذهابه الى الدوام. مضيفاً: انه ظل يعمل بطريقة المناصفة مدة عام تقريباً حتى اشترى توك توك خاصاً به.
وأكد كريم: رغم صعوبة العمل خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة، لكن لامفر من ذلك، بسبب الوضع الاقتصادي والبطالة. منوهاً: الى وجود مضايقات من بعض عناصر الأمن الذين توكل لهم حماية الأسواق الشعبية بحجة أن التوك توك قد يكون مفخخاً.
المشاكل السكانية وفوضى النقل
بعد نيسان 2003 وبسبب فسح المجال امام كل شيء للدخول الى اسواق البلاد وبوجه الخصوص وسائل النقل، ودخول مختلف انواع السيارات والدراجات النارية، دخل أخيراً التوك توك الذي يعد وسيلة النقل الوطنية في دول شرق آسيا والهند لرخص ثمنه أولاً وصغر حجمه ومناورته وسط السير وقدرته على التخلص من اعتى انواع الزحامات. وفي البلاد العربية تشتهر مصر بالتوك توك الذي كنا نستغرب كيف يستقله الاخوة المصريون، لكن بعض الظروف تتيح أن تجرب كل شيء، بما فيها التوك توك الذي اخذ ينتشر، وبشأن الوضع القانوني لعمل التوك توك، يقول ضابط المرور لؤي حسن: أن عمل التوك توك يتطلب تسجيله لدى دوائر المرور وتحمل لوحات مؤقتة لكي نستطيع احصاءها ونضمن السلامة للمواطنين، مبيناً: أنه يفترض أن تكون له إجازة سوق مسجلة بشكل أصولي، ويحال حائزها الى التحقيق في حالة عدم امتلاك الستوتة رقماً وأوراقاً أصولية. لافتاً: الى وجود تعليمات خاصة بشأن عمل الستوتات والتوك توك يفترض على مالكيها الالتزام بها كي لايتعرضون للمساءلة القانونية.
وفيما يخص الجوانب الاقتصادية لاستخدام مثل هكذا وسائل نقل، يقول الاقتصادي سعد وهاب لـ(المدى): اغلب الدول التي تعاني مشاكل سكانية وزيادة غير متوقعة، تنتشر فيها مثل هكذا وسائل نقل. مشيراً: الى دول الهند والصين وفيتنام ومصر ودولاً أخرى، تقوم بإنتاج هكذا وسائل نقل محلياً. مؤكداً: انها بذلك تضرب اكثر من عصفور بحجر واحد.
واسترسل وهاب: اما في العراق، فالأمر يختلف كثيراً بسبب الوضع الاقتصادي المرتبك وغلق اغلب الشوارع التي لايمكن أن تدخلها السيارات، استعان الناس بالتوك توك والستوتة قبله. منوهاً: الى اننا نخسر اموالاً كثيرة باستيراد هذه الوسائل واموالاً اخرى لاستيراد ادواتها الاحتياطية، فضلاً عما تسببه من فوضى في الشارع. مؤكداً: على ضرورة منع هذه الوسائل والاستعاضة عنها بوسائل نقل ملائمة وعصرية.
عن دول العالم التي تشتهر بانتشار وسائل النقل الرخيصة يقول الخبير الاقتصادي مهند البيضاني "بعض الدول التي تعاني مشكلات زيادة السكان تلجأ الى وسائط نقل صغيرة الحجم، ورخيصة الثمن، وغير ملوثة للبيئة، ولا سيما في جنوب شرقي آسيا كالهند وباكستان والصين وفيتنام، وحتى بعض الدول الافريقية كمصر، ويتم انتاج هذه المركبات محلياً كالدراجات الهوائية والنارية والستوتة والتوك توك وحتى السيارات الصغيرة ذات الاستهلاك القليل للوقود.
الستوتات تشكو والكيات تعترض
وبشأن اسعار (تاكسي الفقراء) كما يسمّوه في المناطق الشعبية يقول حيدر جعفر، مختص بييع وشراء التوك توك ومختلف انواع الدراجات النارية في منطقة فضوة عرب، أن السعر بين مليونين ونصف المليون الى ثلاثة ملايين دينار حسب النوع والنشأة ودرجة النظافة ومدة الاستخدام ونوعه. مضيفاً: ان هذا المبلغ مناسب لمن يريد أن يعمل ويرزق بالحلال، مشيراً: الى وجود بعض الاشكالات في عملية نقل وتسجيل ملكية انواع معينة من الدراجات النارية بسبب عدم استقرار التعليمات الحكومية وتعدد الاراء والاجتهادات بهذا الشأن من قبل بعض ضباط المرور.
بالطبع الأراء تختلف حول دخول التوك توك الى الشارع العراقي، فسواق الستوتات وجدوا انه يزاحمهم برزقهم، فيما يرى سواق الكيات أنه اكثر مشاكسة من الستوتات في حين يرفضه بعض المواطنين جملة وتفصيلاً، إذ يعدوه بوسيلة النقل الخطرة والتي لاتليق بخيرات وثروات العراق. محمد سعيد، صاحب محل اسواق في الشعلة، بيّن أن بعض التجاوزات على الارصفة وعدم الوقوف في الأماكن المخصصة والتجمهر امام الاسواق، ولّد حالة ارباك وزحاماً. منوهاً: الى ضرورة أن يخضع التوك توك الى شروط وتعليمات المرور العامة. فيما شكا سائق (الكيا) كرار حسين: من سائقي الـ(توك توك) مبيناً أن اغلبهم من المراهقين الذين لا يلتزمون بأسط قواعد المرور وحتى الذوق العام. مضيفاً: وفي بعض الاحيان يتصرفون بشكل غير لائق معرضين انفسهم والمشاة ومستقلي السيارات الأخرى للخطر.
فيما دعا الموظف الحكومي زيد مهدي، لمنع دخول مثل هكذا وسائل نقل في بلد مثل العراق، ميزانيته مئات المليارات. داعياً: الى انشاء المترو وشبكة قطارات ومحطات الباصات الحديثة. منوهاً: الى المخاطر الجمّة التي تسببت بها وسائل النقل هذه إن كان ببعض الحوادث أو الارباك في الشارع العام ومضايقتهم لأصحاب السيارات الخصوصية.
واستدرك مهدي: لكن البعض من الشباب معذور بالعمل على التوك توك والستوتة بسبب البطالة وشح فرص العمل. مؤكداً: انه على الحكومة أخذ ذلك بنظر الاعتبار وتوفير فرص عمل ملائمة كي يستفاد من قدرتهم في بناء البلاد.