حتى وقت قريب كان العراقيون يفاخرون بانهم بلاد ما بين النهرين وبلاد دجلة والفرات، والاوروبيون يسمون بلادنا (ميتسوبيتيميا) والعرب تسميها أرض السواد، لما فيها من نخل وأنهار وهناك من يسميها ببلاد الإله آنكي أو مهد الحضارات، وواضح أن التسميات كلها جاءت جميلة، مليئة بالحياة، باذخة في الجمال، وحتى العصور العباسية المتأخرة كانت بغداد عاصمة الدنيا والموصل (نينوى) وأم الربيعين والحدباء عبق التاريخ وكذلك كانت البصرة غابة النخل وموطن الشعر واللغة والحديث وشط العرب وتمر البرحي، لذا حق على العراقيين المفاخرة والانتشاء بانهم الأعلون.
ألا يعلم دعاة التقسيم بأنهم إنما يقطعون أوصال البلاد العظيمة هذه؟ وأن أي دولة تقوم خارج الأطار هذا ستكون ضعيفة، هزيلة لا تحمل صفة من الصفات تلك، لن يكون لها دجلتها وفراتها وشط عربها، وستكون خارج حدود العظمة هذه، صورة العراق في الذاكرة الكونية أكبر مما نتصور ياناس، هذه بلاد ما بين النهرين، بلاد دجلة والفرات وبغدادها عاصمة الرشيد، التي كانت كل سحب الارض تأتي بخراجها اليها، أي عاصمة ستكون هزيلة خارج بغداد، وأي نهر سيكون مبتورا غير دجلة والفرات، ولن يكون النفط ، مهما ارتفع ثمنه غير سائل أسود، مذموم.
من وجهة نظرنا نقول بان دعاة التقسيم إنما يقدمون على فعلتهم هذه بسبب من سوء إدارة البلاد، بسبب زعزعة أمنها وخراب اقتصادها وتراجع ثقافتها، فالنهران العظيمان ما عادا سببين في زراعة الارض، ولم تعد البلاد مخزنا للحبوب في العالم كما وصفها أحد الرحالة الاثينيين، ولم تعد بغداد قبلة العالمين مغرية للسائح والزائر والباحث، ولم تعد البصرة غابة نخل وفاكهة وخضار وحبوب وشط العرب وبرحية -واحدة النخل- وفريدة الثمرة، لم تعد تركيبة المجتمع العراقي متسامحة متصالحة، لم يعد الانسان العراقي آمنا في مدنها وبيوتها وأسواقها ومدارسها، اختفت المعالم وتراجعت سبل العيش وتقزمت فكرة الخلود في الذاكرة العراقية التي كانت كبيرة ذات يوم.
ما لا يدركه البعض أو ما لا يريد التيقن منه هؤلاء المسؤولون في العراق أنهم إنما جلبوا الويلات على البلاد بسبب من دعواتهم لقيام الدولة الدينية، هذا الحلم الاهوج، الذي جرَّ البلاد الى أعمق هاوية مرت عليه، ثم أنهم حين شعروا بأن المطلب الشعبي هو الدولة المدنية راحوا يغلفون احزابهم الطائفية بسليوفان المدنية، غير مدركين بان الناس اكتشفت اللعبة، أو أن الكثير منهم باتوا خارج الوهم ذاك. كل حزب ديني يقود الى طائفية ما، ولكي نفصح أكثر نقول: ياترى ما شكل الدولة الدينية التي يريدون، أهي دولة سنّية في الغربية ودولة شيعية في الجنوب، وستحشد هذه على تلك، ومن ثم ستتقاتلان لا محالة، إذ ان الجيوش والمتشددين في الدولتين سيخضعان للضغوط الخارجية وسيأتي من يطلق الرصاصة الاولى. أهذا ما يريده البعض لها.
لنفكر مخلصين، صادقين، خارج طموحات البعض الضيقة بمصير بلاد الإله أنكي، بلاد ما بين النهرين، الميتسوبيمييا، بلاد دجلة والفرات وشط العرب، بلاد بابل وآشور ونينوى، أرض السواد، فهذه بلاد لا تشبهها بلاد على خارطة الكون.
في بلاد الإله انكي
[post-views]
نشر في: 22 يوليو, 2017: 09:01 م