قام الصحافي السياسي والأدبي جون ولسون كروكر بحَزم القوائم الخاصة بالذين حُكم عليهم بالموت خلال حكم الإرهاب في الثورة الفرنسية، وذلك لغرض قراءتها في عطلته في صيف عام 1835. و كان آلاف الذين أُعدموا بالمقصلة في باريس، بعد تأسيس المحكمة الثورية (10 آذار
قام الصحافي السياسي والأدبي جون ولسون كروكر بحَزم القوائم الخاصة بالذين حُكم عليهم بالموت خلال حكم الإرهاب في الثورة الفرنسية، وذلك لغرض قراءتها في عطلته في صيف عام 1835. و كان آلاف الذين أُعدموا بالمقصلة في باريس، بعد تأسيس المحكمة الثورية (10 آذار 1793) و قبل سقوط ماكسميليان روبسبير (27 تموز 1794)، متهمين بجرائم تتراوح بين ادخار المؤونة أو التآمر على الجمهورية إلى قطع شجرة الحرية ... وراح كروكر يتساءل متأملاَ بشيءٍ من عدم التصديق المشوب بالفزع : كيف أمكن لهذا أن يحدث؟ كيف أمكن لتفاؤل عام 1789 الثوري التقدمي أن ينقلب في خمس سنوات فقط إلى اعتقالات سريعة و إلى إعدامات؟
ويلقي تيموثي تاكيت، أستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا، في كتابه (قدوم الإرهاب في الثورة الفرنسية)، الضوء على هذا الموضوع القاتم، و يحلل عقلية أولئك الذين صاروا "إرهابيين" في فرنسا القرن الثامن عشر. و كان في كتاب سابق، (أن تصبح ثورياً Becoming a Revolutionary )، قد تناول عقلية أولئك الذين تولوا المسؤولية عن تصميم دستور فرنسي جديد في عام 1780. و في توسيعه لعمله هنا إلى فترة الإرهاب، يندمج تاكيت مباشرة مع سؤال كروكر : كيف سلك الثوريون و ثورتهم ذلك المسلك الخاطئ؟
لقد تحول الخوف، بشكل غير مفاجئ، ليكون مؤسساتياً بالنسبة لمرتكبي الإرهاب : " فقد شعر الإرهابيون أنفسهم بالرهبة ". و كان الخوف، كما يؤكد تاكيت، عنصراً مركزياً في العنف الثوري : الخوف من الغزو، و الفوضى، و الاضطراب السياسي، و التآمر، و الانتقام. و عند عام 1793، كانت مخاوف كهذه معقولة. فقد كانت فرنسا متورطة في حرب أهلية و دولية. و لم تكن هناك حكومة مستقرة أو جهاز مالية عامة منذ عام 1789.
و يعتمد تاكيت، في إعادته إنشاء الذخيرتين الانفعالية و العقلانية للسلوك الثوري، على رسائل و يوميات معاصرة لتلك الفترة. و هذه المصادر، كما يرى، أكثر اتصالاً بالأحداث من الذكريات و التواريخ الاستعادية. و يعتمد على رسائل من تشكيلة متنوعة من الأشخاص و الأوساط : رجال و نساء، عوام و نبلاء، باريسيين ومن المقاطعات. و هو يشير إلى كتّاب الرسائل بـ "الشهود". و هناك أربعة من كتّاب الرسائل هؤلاء يقومون بدور محوري في هذا الإطار: أدريان ــ جوزيف كولسون، وكيل عقارات؛ نيكولا رول Ruault ، ناشر؛ روزالي جولي، زوجة مندوب إلى المؤتمر الوطني، المنتخب بعد إلغاء الملكية عام 1792 لتصميم دستور جمهوري؛ و غلبر روم، مدرس رياضيات و سياسي انتحر فيما بعد في السجن عام 1795.
وكان روم من المناصرين المبكرين للإرهاب. وكان قد تنبأ، في تشرين الأول 1789، بعد سقوط سجن الباستيل، و السير نحو قصر فرساي ، بإنه إذا ما تحول الشعب الفرنسي كله إلى بركات الثورة، " فإن العقل سيحتاج ربما لأن يصاحبه الإرهاب".
وحين استمرت الثورة، تضاعف عدم الثقة، والقلق، والكوابيس، والشائعات، والاتهامات. ولقد كان هناك حتى قبل إقامة المحكمة الثورية و مؤسسات الإرهاب الأخرى عام 1793 ــ 1794 إرهاب يومي، يتجسس فيه الواحد على الآخر "في دائرة شريرة من الريبة ". ويرى تاكيت أن هذه الحالة من العلاقات كانت متممة لعملية الثورة : لم تكن نتاجاً لأيديولوجيا أو ظروف، و إنما كانت جزءاً ضرورياً من عملية القضاء على النظام القديم و إقامة النظام الجديد.
عن: The Spectator