TOP

جريدة المدى > عام > بعد تحرير الموصل ثقافتنا إلى أين...؟

بعد تحرير الموصل ثقافتنا إلى أين...؟

نشر في: 25 يوليو, 2017: 12:01 ص

لم تعد الثقافة مفهوماً يتمظهر عن فعاليات أدبية فقط، تؤديها بعض المنظمات الأدبية والثقافية، بل هي مشروع وطني متكامل، تتظافر جهود العديد من المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني وكيانات مجتمعية ذات وظائف متجاورة مع الثقافي والفني، مثل اللجان والبيوت

لم تعد الثقافة مفهوماً يتمظهر عن فعاليات أدبية فقط، تؤديها بعض المنظمات الأدبية والثقافية، بل هي مشروع وطني متكامل، تتظافر جهود العديد من المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني وكيانات مجتمعية ذات وظائف متجاورة مع الثقافي والفني، مثل اللجان والبيوت الثقافية الموجودة في المحافظات والاقضية والتي لم تعد فاعلة مثل السابق بفعل غياب الدعم المالي.

وازدادت تعقيدات الفعل الثقافي بسبب الوضع السياسي وارتباك عمل المؤسسات وسيادة الصراع الدموي والعنف الثقافي بين الأحزاب والكيانا ، وشيوع الفساد الإداري والمالي واحتلال داعش لجغرافيا واسعة جداً، وظلت فترة طويلة مهددة العاصمة بغداد بالاجتياح وسقوط العديد من المحافظات مثل شمال بابل وكربلاء والنجف. كل هذه التعقيدات زاولت تأثيرها على الفعل الثقافي الذي لعب دوراً مهماً في فترات الارتباك والقلق واضطراب الداخل المجتاح بداعش الكامن من خلال خلاياه في مراكز المدن. ولا يمكننا تجاهل ونسيان تأثيرات الوجود الإرهابي لفترة طويلة وسط المدن متعايشاً مع السكان بالإكراه وسلبيات ما نتج عن هذا الوجود من تأثيرات وانعكاسات اجتماعية / ونفسية / وثقافية بالإضافة الى أفعال تدمير النسيج الاجتماعي الخاص بالمكونات والأقليات والطوائف ومن خلال السبي والاغتصاب والتهجير والبيع في سوق النحاسة. كل هذا لم يكن بعيداً عن انثربولوجيا الثقافة وخطورة تمركز آليات يومية تنفذها داعش في الأحياء والمدارس وإلزام الكل بوسائل تنفيذ تربية وتعليم، تؤهل الأطفال منذ البداية بثقافة العنف والقتل وبأشكال مختلفة، تحقق الهدف المطلوب .
لم تكن كل برامج داعش الثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية ارتجالات آنية، بل هي تبديات لمشاريع موضوعة من قبل لجان متخصصة وخبيرة مؤهلة لرسم خطط وستراتيجيات، واستطيع اختصار كل هذا بمعنى مركز للغاية، تحدثت به وعنه باستمرار عن فعاليات اتحاد الأدباء، وأعني به التخييل الذي قاد جماعات الإرهاب الوافدة من كل بلدان العالم لتأسيس دولة الخلافة الإسلامية وعملت بحماس ودقة على مؤسساتها المكونة لها، هذا تحقق صعب ومعقد، بحيث كان داعش يقاتل للامتداد الجغرافي والثقافي ويراقب عمل مكونات الدولة وإدامة مركزها المالي والاقتصادي .
المخيال هو الأقرب للتعبير عن منجزات داعش المنفذة بذكاء كوادر وخبرات عالية الجودة بسبب التأهيل. وهذا يتطلب من الدولة العراقية بعد أن تكتمل مؤسساتها وتنضبط مدعومة بما يساعدها على العمل والنزاهة وحماية مكونات الدولة من التدمير التدريجي / السري، وملاحقة مافيات الكراهية وتدمير البنى الاجتماعية بواسطة ثقافة العنف. لذا أنا اعتقد بأن مؤسسات الدولة ملزمة بوضع مشروع وطني متكامل، تنفذه كل الآليات المجتمعية والثقافية والفنية وبدعم مباشر من الحكومة والدولة، لأن متراكمات الإرهاب ليس الموت والحرائق، بل ثقافية وعلينا أن نحارب داعش وذيوله المجتمعية بالثقافة والمعرفة والقانون. لأن دور القضاء، لم يصل الى مرتبة ممتازة في ملاحقة كل من ساهم بتدمير البلاد وتعطيل التقدم ومطاردة الكتل السياسية التي لم تخجل في يوم من الأيام من إعلان دعمها لداعش وأفعال الإرهاب علناً من خلال وسائل الإعلام المختلفة، حتى تحولت تلك الأحزاب والجماعات الى قوات داخلية لا تمارس فعلاً عسكرياً، بل تعلن عن مواقفها السياسية والمعطلة والتي سببت تأخر الانجاز النهائي لتحرير الجغرافية، هذه القوى هي أيضاً المتواطئة مع دول الجوار لإدامة الحرب وتوسيعها وتشجيع المجاور للعراق الى التسلل علناً وأمام الرأي العام العراقي والعربي والعالمي واحتلال الأرض العراقية والترويج لمشاريع التقسيم وتوزيع المغانم بين الأحزاب الدينية والقومية والتي أعلنت موقفها صريحاً وعقدت المؤتمرات لإيضاح ذلك. ولكنهم تجاهلوا وجود القوى الكامنة لدى الشعب العراقي وحشوده الشعبية التي فاجأت الجميع بما لم يكن متوقعاً .
اعتقد بأن سؤال الثقافة يعني أسئلة عدّة مجاورة مع بعضها البعض، وأعني به المجتمعي والسياسي والاقتصادي والفني. ولابد للأحزاب الدينية المختبئة تحت مظلة المقدس من الخضوع للمراقبة وأسئلة من أين لك هذا.... لان الإصلاح الحقيقي جوهري وفاعل وهو الذي يساعد على تنفيذ البرامج الفاعلة والمساندة لوضع تفاصيل دقيقة، طويلة الأمد والبدء بالمشروع الثقافي. ومن تلك الوحدات الثقافية العاجلة هي استراحة الدين بعد التحرير والذهاب للمساجد والجوامع لأنه سقط بالفساد ولم يعد صالحاً ومقبولاً للتواجد في الشارع والإقرار بأهمية الدولة المدنية وفتح كل المجالات لإشاعة ثقافتها وفنونها. فلم يعد الصمت تعبيراً عن الرضا بقمع الفنون والثقافة ومنعهما عن تربية الذوق العام وتأهيل الأفراد والجماعات بالجمال والذوق الإنساني الرفيع. والكف عن إنتاج ممنوعات مقيدة للرأي العام والفعاليات الملاحقة بالخطف والتصفية، فالعراق بلد لا يعيش إلا عبر الجمال والعقل وضرورة دعم ومساعدة الفن والمعرفة من اجلهما. كما اعتقد بأن تمظهرات الحياة السياسية وما صعد فوق السطح من إفراغ العراق من مكوناته التي تمثل الجماعات الأصلية فيه، وهي اسبق وجوداً من "العريبون" والاعتماد على الإرهاب والميليشيات لإنجاح خطط إفراغ البلاد من مكوناته وأقلياته وطوائفه والضغط عليها من اجل الهجرة ، لذا أنا اعتقد بأن مثل هذا المشروع الاجتماعي الثقافي والسياسي يراد منه تفكيك النسيج المجتمعي المتعايش وإحلال سيادة النوع الواحد وإعلان دمار، ثقافة وفن العراق، لذا أنا اقترح وبصوت عال ضرورة تعطيل درس التربية الإسلامية، أو الذهاب الى إلغائه كلياً وإحلال درس التربية الدينية بديلاً له. وتشكيل لجان متخصصة عالية المهارة والخبرة لوضع مناهج تربوية وتعليمية جديدة، تبعد العراق عن العنف والكراهية والطائفية والمساعدة على إنتاج تخيلات قادرة على طرد تخيلات داعش التي عششت وستظل طويلاً في العراق. لذا اعتقد بأهمية الفعل العسكري بطرد الإرهاب، لكن للثقافة أفعال متنوعة نحن بحاجة لها. ولابد للحكومة من دعم المؤسسات التعليمية الفنية ودعمها من اجل الاستمرار وتوفير فرص التفاعل بين الجماعات عبر الفنون الإنسانية الراقية كالمسرح / التشكيل / الغناء / الرقص / الأزياء / الفنون الشعبية. والاهتمام أيضاً بذاكرة الجماعات والمكونات والعمل على تدوين ما حصل وتشجيع مراكز الثقافة والفولكلور من حماية الموروث المجتمعي وإقامة المعارض له باستمرار.
ولعلَّ أهم ما يواجهنا الآن ومستقبلاً هو ضرورة سيادة العلوم الإنسانية وتدريسها وفق خطط وبرامج خاصة واقتراح مناهج لها ولدرس الفلسفة، كل هذا من اجل عقل عراقي جديد، قادر على التفكير وطرح الأسئلة، فكلنا نعرف كم هي متأخرة جداً لا بل متخلفة تبدّيات العلوم والفلسفة قياساً ببلدان الوطن العربي.
الثقافة هي المعيار المتفق عليه في التعامل مع الجماعات والقوميات لمعرفة حضارتها واكتشاف قوتها وفاعليتها بالمجتمع وهي الوسيلة الجبارة لإنتاج قرابات متخيلة وشبكات رمزية جديدة مقبولة من الجميع والمحافظة على ما كان موجوداً وتشجيع تبادلها من الأفراد، لأنها تمثل مركزاً فاعلاً، يسهم بدعم الهوية / الهويات التي لابد من العناية بمفهوم التشارك الثقافي والتداخل الهوياتي، لأن الجماعات متواجدة معاً، بعضها مع الآخر ولا تفصل بينها مسافات شاسعة للغاية والثقافة لا تقوى الاخضاعات على تعطيلها وإيقاف تأثيرها  وايلاء الهويات عناية ثقافية وفنية جديدة وتحفيزها للقبول بإجراء تمثيلات للآخر بشكل ايجابي وحيوي  لأنها ـ الهويات هي القاتلة كما قال أمين معلوف، وكل الذي حصل في العراق منذ سقوط النظام السابق سيظل موجوداً ومستمراً هو بسبب الهويات، لأن الثقافة تذهب في أحيان كثيرة نحو الدم والخراب من اجل حماية حضورها المجتمعي، وعلينا الاقتناع بحق الأفراد والجماعات للتعبير عن هوياتها عبر ثقافاتها وفنونها بآليات هادئة ومتوازنة لتحفظ حق الآخر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مآثر فوق التصوّر

رحيل ناجح المعموري ..حارس الاساطير البابلية

في غياب الأستاذ

وجهة نظر: السينما المُدجَّنة: بيان في النقد

‏رحل استاذنا

مقالات ذات صلة

مع تباشير العام الجديد عولمة مضادة للسعادات الصغيرة
عام

مع تباشير العام الجديد عولمة مضادة للسعادات الصغيرة

لطفيّة الدليمي ها نحنُ ثانية على مبعدة ساعات من بدءالسنة الجديدة. أهو حدثٌ كبير؟ جديد؟ يستوجبُ التهيئة المكلفة والتقاليد الإحتفائية المكرورة من سنوات؟ ما الذي يحصل كلّ سنة؟ لا شيء. يتبدّلُ وضع العدّاد ويبقى...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram