جلال حسن لم استطع أن اختصر سماعي خبر وداع صديقي علي حسين القيسي ببضع كلمات ، او مواساة تعزية، ولكني ادركت حقيقة ان حزن السومريين يتردد في اغنية قديمة تناشد الدمع رحمة بالنوم والراحة من شدة الحزن على فراق الحبيب ، باعتبارذكراه باقية .
هذا ما بدا لي حين طلب مني دكتور فايق بطي ان اقول شيئا في العزاء الذي اقامته مؤسسة المدى على روح الفقيد باعتباري صديقه ، حينها لم اتمالك نفسي واعتذرت منه ، لاني لا اتمالك نفسي بالتعبير عن خبر فاجع صعقني في صباح امس الاول ، ولا املك غير دمعي وغصتي ، وصمتي المبلل بالالم الذي منعني ان اقول أي شيء اواسي به نفسي والاخرين. لاني اعرف سلفا انه سيبقى حيا معي والى الابد . تعلمت من القيسي معنى الصبر الطويل ، صبره الذي يحتوي منغصات العمل بابتسامة عريضة، وحفاوة الطيبة وارادة البذل، والتفاني بالعمل والاخلاص،فكانت حواراتنا عباره عن رسائل مشفرة يفهم منها اشارتي بفطنة الانسان الحساس. كان صديقي رحمه الله يخجلني بأدبه الجم واخلاقه التي تفرض احترامها حدود المهنة والزمالة. كان متواضعا ،دائم البسمة ، غيورا يملك من الطيبة عنفوان العذوبة ، يحبه الجميع ، ويمتلك هدوءا نادرا، وارشيفا للذاكرة البغدادية بأحداثها الكثيرة ، و تقاويم من هموم الحروب ، والاوجاع ، والسعادات، كان قارئا نهما لمختلف صنوف المعرفة، ونشر العديد من المقالات في الصحف المحلية والعربية. وكان يحلم ان يملأ الهواء بنسائمه العليلة صدره المخنوق بالعبرات في حب ابنتيه اللتين تولى لهما دور الام في الرعاية والحنان . واذا كان الموت هو اللحظة الواقعية في الحياة التي يتفق عليها الجميع بلا استثناء فان الانسان الحقيقي هو الاستثناء خارج المسميات والالقاب بل الاكثر رفعة في كل الازمان وهو الشاهد الاول على التواصل الادمي وما يسمو اليه الضمير، نحتاج وبكل تأكيد الى مثال تقويمي ونجعله فنارا لنا في الالم والغضب والمرارة والسعادة وفي بقائنا على خارطة الحياة، ما يجعلنا نفكر في طريقة اخرى للحياة ، ووفق منظور جديد، حياتنا التي تخبو، وتنمو، وتكبر، وتتجدد وتشمخ، ولكنها لا تبتعد الا عن تلك اللحظة المرة. ما زلت اسمع صوتك يرن في مسامعي، اناديك وانسى انني انسى،لا تكفي كلمات المواساة بالصبر والنسيان، ولا اقول شيئا سوى وداعا يا صديقي "أبو سارة " jalalhasaan@yahoo.com
كلام ابيض :قنديل العذوبة
نشر في: 23 فبراير, 2010: 06:16 م