TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أربعون عاماً على أوّل رحلة إلى باريس

أربعون عاماً على أوّل رحلة إلى باريس

نشر في: 25 يوليو, 2017: 09:01 م

في الأسبوع الماضي، مرت 41 سنة على ذكرى أوّل محاولة لي بالذهاب إلى المنفى، كانت في 14 تموز/ يوليو 1976، ولم يكن لي من العمر سوى عشرين عاماً، عندما سافرت بالخطوط الجوية العراقية من بغداد مباشرةً إلى باريس، وفي جيبي 200 دولار، كنت أنوي دراسة الإخراج السينمائي في باريس. أعرف عبث تلك الفكرة الآن، لكن في ذلك الوقت، بدت لي الفكرة واقعية، مثلها فكرة الهجرة والإقامة في البلد الجديد، بل حتى شرطة حرس الحدود عندما غادرت الطائرة في مطار أورلي لم يسألوني: ماذا عن بطاقة العودة؟ ولماذا بطاقة «وان وي» فقط؟ بل لم يسألوني عن المبلغ الذي حملته معي. ختموا جواز السفر ببساطة وتمنّوا لي طيب الإقامة، لم يهمهم المدة التي سأقضيها في باريس.
من يتخيل ذلك اليوم؟ مقارنة بما يحدث للقادمين الجدد اليوم، بل وحتى بما حدث بعدها بسنوات وفي فرنسا ذاتها ومعاملتها للمهاجرين، بدا الزمن الذي أتحدث عنه، ذهبياً، ليس فيما يتعلق بمعاملة شرطة الحدود وحسب، بل فيما يتعلق بالجو العام. صحيح أن دراسة الإخراج السينمائي بمئتي دولار وحسب، ثم العودة بعد الانتهاء من الدراسة، بدا لي أمراً طبيعياً، ربما بسبب تأثري بالأدب الوجودي الذي واظبت على قراءته في تلك الأيام، جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار وألبير كامو على وجه الخصوص، كل الأدب الوجودي الذي وصلنا مترجماً عن طريق العاصمة اللبنانية بيروت، نعم ربما كان ذلك صحيحاً، إلا أن علينا ألا ننسى، أن مدن غرب أوروبا وشماله (لكي لا نتحدث عن جنوب أوروبا)، لم تكن خائفة من استقبال الأجانب أو قلقة من مواصلتهم الاقامة على أراضيها كما في وقتنا هذا.
لم تستغرق اقامتي في باريس أكثر من شهرين، ليس بسبب عداء للأجانب أو لعنصرية، بل بسبب صعوبة العيش لشاب مثلي، لم ينطق في حينه حرفاً واحداً في اللغة الفرنسية، وفي رأسه الدراسة فقط وليس العمل، عدت بخفيّ حنين، كما يقول المثل عندنا، لكنني كنت سعيداً، لأنني رجعت إلى بغداد، ومعي ثروة جديدة، الحكايات التي سأرويها عن زيارتي لمقهى «كافيه فلور»، عن رؤيتي لجان بول سارتر وسيمون دوبوفوار، عن طاولتهما التي جلسا عندها في زاوية المقهى، كل يوم، وهما يكتبان، عن الغليون الذي لا يغادر فم سارتر، عن استقبالهما الأصدقاء والمشجعين، أكثر الحكايات التي رويتها، اخترعتها، أو كان عليّ اختراعها لزملائي في بغداد.
أتذكر أيضاً، أنني وفي طريق العودة، لم أفكر بالحصول على فيزا من البلدان التي سيمر بها القطار الذي أخذته في المرة الأولى من باريس إلى مدينة البندقية، بعد أن قررت عمل جولة سياحية قبل العودة إلى بغداد، كأن السفر بجوازي العراقي هو أمر طبيعي، يسمح لي بالمرور – على الأقل ترانسيت – بكل بلدان العالم، والفيزا هي فقط لمن يريد الإقامة في البلاد التي خططت لزيارتها.
بالفعل ختم السويسريون جوازي بفيزا الترانسيت، فقط الإيطاليون طلبوا مني العودة إلى الحدود السويسرية مجدداً والحصول على فيزا ترانسيت من قنصليتهم في مدينة بريج الحدودية.
ما أزال اتذكر القنصل القصير القامة وصلعته الخفيفة، كان ربما في أواسط الخمسين من عمره، لبس بنطلوناً بالحمالات، أتذكر كيف أنه أخذ جواز سفري وابتسامة على وجهه، ثم راح يتحرك بهدوء وهو يطلب مني ملء استمارة الفيزا ودفع مبلغ بسيط ما عدت أتذكره.
في ظهيرة ذلك اليوم، عملت جولة في مركز مدينة بريج الصغيرة، ما أزال اتذكر النظرات الفضولية التي كانت تحدّق بي من سكان المدينة، كأنني كائن غريب هبط من المريخ، لم تكن نظراتهم عدائية، أبداً، كانوا فضوليين، وأظن أنهم رأوا شاباً أسمر في مثل سنّي للمرة الأولى.
يا لتلك الأعوام. يا لبهجة الشباب في تمرده ... من يتذكر تلك الأعوام!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram