شهد العالم العربي قيام عدد من الثورات في عام 2011 في تونس ومصر واليمن وليبيا وشكلت تلك الثورات التي عرفت فيما بعد بالربيع العربي منعطفا مهما في تاريخ العالم العربي ،و صدرت العشرات من الكتب التي تناولت هذا الموضوع بالتحليل والتقييم.فمنذ اندلاع
شهد العالم العربي قيام عدد من الثورات في عام 2011 في تونس ومصر واليمن وليبيا وشكلت تلك الثورات التي عرفت فيما بعد بالربيع العربي منعطفا مهما في تاريخ العالم العربي ،و صدرت العشرات من الكتب التي تناولت هذا الموضوع بالتحليل والتقييم.
فمنذ اندلاع ما يسمى بالربيع العربي في عام 2011، الذي أثاره قيام بقال تونسي، بحرق نفسه حتى الموت شهدت المنطقة العربية احتجاجات وتغييرات في الانظمة واندلاع الحروب الأهلية وتزايد اعمال العنف والإرهاب.
ومع نشر 35 ألف جندي أميركي في 20 دولة في المنطقة وحولها، اصبح لدى الأميركيين بشكل خاص حافزا قويا لمحاولة فهم الشرق الأوسط. وفي كتابها المعنون (حرائق الربيع) تحاول شيلي كولبرتسون الغوص في معالجة هذا الموضوع الشائك والمعقد.وتستند مؤلفة الكتاب في تحليلها إلى خبرتها العملية، حيث تعمل باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة “راند”، كما عملت لفترة بوزارة الخارجية الأميركية، ناهيك عن الزيارات التي قامت بها للدول موضع التحليل بالكتاب خلال الفترة من حزيران2014 حتى نيسان 2015، والمقابلات التي أجرتها مع شخصيات من ذوى خلفيات متباينة، والتي ساعدتها في إنجاز الكتاب .
للكتاب عنوان جانبي هو "رحلة ما بعد الربيع العربي" في الشرق الأوسط الجديد المضطرب - تونس وتركيا والعراق والأردن وقطر ومصر، وهذا هو كتابها الأول الذي تنهج فيه السبيل الذي يمكنها من نسج قصص التاريخ والثقافة والسياسة والاقتصاد في سرد متماسك. فهو في جزء منه كتاب رحلات وفي جزء آخر كتاب سياسي. فهو يتضمن على سبيل المثال، وصفا لسباقات الهجن في قطر كواحة استراحة من التفاصيل السياسية المملة.
تمتلك المؤلفة 15 عاما من الخبرة في العمل في الشرق الاوسط لحساب مؤسسة راند ووزارة الخارجية الأميركية - وقضت ما يقرب من عام تتجول في البلدان الستة من اجل استكشاف ملامحها. وابتداء من حزيران 2014، قامت بزيارة أماكن ذات أهمية تاريخية ومعاصرة، وأجرت مقابلات مع نشطاء ومسؤولين حكوميين وشعراء ومدونين ورجال أعمال ومحررين.
وهي تركز بشدة في موضوعاتها حول ما حدث منذ عام 2011، ولماذا، وما هي عواقب ما حدث ولا يدرك القارئ فقط الاخطاء التي حدثت، بل يكتشف أيضا صحة ما حدث ، جنبا إلى جنب مع شعوره بتنوع المنطقة وشعوبها.
تبدأ المؤلفة من حيث بدأ كل شيء، من تونس، التي عصفت بها اضطرابات الربيع العربي بشكل أفضل من البقية . ومثل الدول الخمس الأخرى التي تناولها الكتاب، كانت تونس جزءا من الإمبراطورية العثمانية وحكمتها فيما بعد قوة استعمارية غربية. و بعد نيلها الاستقلال تعرضت الى حكم استبدادي عسكري قاسي ، كما هو حال جميع دول المنطقة. وعلى مدى 55 عاما، من عام 1956 إلى عام 2011، كان يقود تونس رجلان فقط: الثاني منهم، وهو زين العابدين بن علي، هرب من المواجهة مع مواطنيه الغاضبين
تضمن الانتقال بعيدا عن الديكتاتورية في تونس ايجاد حلول وسط مهمة ،كانت بمثابة شريان الحياة للديمقراطية وهو أمر جدير بالملاحظة في هذه الأوقات التي يسود فيها التطرّف الطائفي والحزبي،. قام الإسلاميون والعلمانيون والرجال والنساء - من بين الأطراف المعنية الأخرى - بوضع دستور جديد، بعد مشاحنات كبيرة، وتم حذف أي إشارة إلى "الشريعة" واعلنت المساواة بين الجنسين.
وفي الواقع، كما تشير كولبرتسون فأن تونس تفتخر الآن بوجود اعلى نسبة من النساء في الجمعية الوطنية (31 في المئة) مقارنة بالكونغرس الأميركي (19 في المئة). وليس من المستغرب أن تكون الفترة الرئاسية في تونس الآن لمدة عامين.
ومع كل ذلك، تواجه الأمة تحديات كبيرة أمامها. فقد ارتفعت معدلات البطالة والأسعار منذ عام 2011، وأدى هجومان إرهابيان موجهان إلى السياح الأجانب إلى الإضرار بالاقتصاد. و غادر نحو 3000 مواطن تونسي البلاد للانضمام إلى تنظيم داعش. ولكن يبقى الأمل أن الحس السليم سوف يبقى صاحب القول الفصل وقد قابلت مؤلفة الكتاب السيدة محرزية العبيدي احدى الشخصيات النسائية ، التي شاركت في وضع الدستور الجديد، التي حدثتها عن الموضوع الذي كان الشغل الشاغل لها خلال عملية كتابة الدستور : "دعونا نحاول التوفيق بين الإسلام والديمقراطية والإسلام وحقوق الإنسان. دعونا نقول للناس أننا لانخيرهم بين الاستبداد أو الفوضى ".
والدليل الآخر على تنوع الشرق الأوسط هو دولة قطر الصغيرة الغنية بالطاقة، التي تتمتع بأعلى نصيب للفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، والذي يبلغ 140 ألف دولار، وهي موطن قناة الجزيرة.الفضائية الشهيرة و أقتصادها قوي جدا بحيث يتم استيراد العمال الأجانب للعمل فيها بالجملة: القطريون يشكلون الآن 13٪ فقط من سكان بلدهم. وقد أصبح سوء معاملة هؤلاء العمال قضية دولية، خاصة مع استضافة قطر لكأس العالم في كرة القدم عام 2022.
ومثل الأردن، شهدت قطر ما يمكن أن يسمى بهزة بسيطة فقط من احداث الربيع العربي. وقد نجا حكام هاتين الدولتين من خلال إغراق رعاياهم بهدوء بمنح الحكومة وإحداث تغييرات تدريجية. فاقتصادات كلا الدولتين أقوى من جيرانها، مما يتيح لها تحمل هذه الستراتيجية. لكن كلا البلدين استفادا أيضا من مراقبة الاضطرابات في مصر والعراق وليبيا، وقررا عدم اتباع هذا المسار المتطرّف.
سيشكل تعامل مصر، وهي أكبر دولة من حيث عدد السكان في المنطقة اذ يبلغ عدد سكانها 92 مليون نسمة ، مع احداث الربيع العربي، إلى حد كبير ما إذا كانت التغييرات التي اجتاحت الشرق الأوسط تبدو ذات نتائج إيجابية أو سلبية للمنطقة. لقد تعلم المصريون درسا قاسيا وهو أن مجرد إبعاد الديكتاتور لا يضمن لهم مستقبلا مشرقا وزاهيا
لم يعاني المواطنون الشجعان و يضحون بارواحهم هناك من اجل رؤية رجل قوي يزاح ليحل محله حاكم مستبد من الاخوان إلمسلمين، و الذي حل محله طاغية جديد. ويرى الكثيرون أن الرئيس الحالي والقائد العسكري السابق عبد الفتاح السيسي هو نسخة أقل اعتدالا من سلفيه.
وتوضح الكاتبة أن أكبر المشاكل التي تواجه مصر هي الازمة الاقتصادية. فواحد من كل خمسة مصريين يعيش في الأحياء الفقيرة. ويسكن ما يقرب من مليون شخص في مقبرة القاهرة المترامية الاطراف. وقد ازداد الفقر منذ عام 2011، وانخفضت واردات السياحة بنسبة تصل إلى 95 في المائة، وفقا لاحد التقارير الصحفية
ولكن على عكس العديد من جيرانها، مثل العراق وسوريا، فإنه لا يمكن إلقاء اللوم على المستعمرين الغربيين في تشكيل حكومات ما بعد الحرب العالمية الأولى. فمصر هي بلد موجود منذ آلاف السنين. وتلخص كولبرتسون التراجع الذي شهدته مصر بإيجاز عندما تصف القاهرة، التي كانت تعتبر في وقت سابق باريس النيل: "كانت القاهرة ذات مرة مدينة العظمة واللون .... وهي الآن مدينة تتلون بالأوساخ"، وتضيف: "مصر هي بلد الثروات المبددة وبلاد الحضارة والتقدم . ما كان يسعى الربيع العربي للحصول عليه هو شيء مختلف تماما".
عن: كريستيان ساينس مونيتور