في غضون أسابيع قليلة استطاع مجلس النواب حسم ملف مفوضية حقوق الانسان، فيما لا يزال ملف مفوضية الانتخابات يراوح مكانه منذ عدة اشهر بانتظار تعديل قانونها اولا، وضمان الكتل لحضورها ضمن طاقم المفوضية.
فمنذ نحو ١٠ اشهر تنخرط الكتل السياسية بوضع لمساتها على تشكيلة المفوضية. وخاضت الاطراف سلسلة سجالات ابتدأت باستجواب المفوضية الحالية ومحاولة إسقاطها برلمانيا كما تبنى ذلك التيار الصدري. لكن المسعى الصدري اصطدم بالانقسام الذي منع طرح الثقة في البرلمان، ودفعه للقبول بصفقة لتغيير المفوضية من خلال لجنة الخبراء البرلمانية. لاحقاً انتقل السجال الى تشكيلة لجنة الخبراء، التي حجز الصدريون اثنين من مقاعدها. ثم انتقل الخلاف الى مستوى آخر تركز حول آليات الترشيح ومعايير التقييم، والمفاضلة بين مئات المتنافسين. والآن تقترب اللجنة من اختيار ٩ مرشحين، لكن يتوقع ان تستغرق الانتهاء من هذه العملية وقتا يمتد الى مطلع الخريف المقبل.
وشهدنا، طيلة الاشهر الماضية، ازمات سياسية واجتماعية عنيفة، كانت تدور حول الاطاحة بمفوضية الانتخابات، بعد رفع التيار الصدري هذا الشعار، محاولا فرضه بقوة التظاهرات والتحشيد الجماهيري. وتسبب هذا التصعيد بصدام دموي مع أجهزة الامن في شباط الماضي، عندما حاول محتجون العبور باتجاه بوابات المنطقة الخضراء.
ولم تقف تداعيات ازمة مفوضية الانتخابات والعراك الذي نشب بسببها عند هذا الحد، بل تجاوزه الى تأجيل الانتخابات المحلية، ودخول الحكومات المحلية في فراغ قانوني. وهو سيناريو مرشح للتكرار في ربيع ٢٠١٨، الموعد المقرر لاجراء انتخابات متزامنة. وهذا ما قد يفسر تراجع حدة الازمة التي اندلعت حول المفوضية، التي اكتشفنا ان جوهرها يمثل صراعا من اجل ازاحة المنافسين على السلطة.
وخلافا لازمة مفوضية الانتخابات المتواصلة، فقد تم تمرير مجلس مفوضية حقوق الانسان بشكل سلس من دون اعتراض على تشكيلة المحاصصة، ولا التظاهر ضد التجديد لاعضاء سابقين، ولا حتى العلم بأعداد المتقدمين للترشيح، ولا آلية التقييم التي خضعوا لها! والمثير للانتباه، ان الكتل التي ترفض المحاصصة في مفوضية الانتخابات تقبلتها في مفوضية حقوق الانسان بروح رياضية، ولم تبد اي مؤشر لمعارضة ذلك.
إن ازدواجية المعايير في التعاطي مع هيئتين مستقلتين لهما مساس مباشر بالمشاركة السياسية وضمان مناخاتها الحقوقية والقانونية، تعكس فهما ملتبسا للديمقراطية لدى زعامات وكوادر الاحزاب والكتل الناشطة في الحياة السياسية.
ففيما تنغمس الاطراف السياسية في مناقشة ادق التفاصيل لتقاسم الهيئة المشرفة على اجراء الانتخابات، وضمان حضور ممثليها في كافة مرافقها. فإنها في الوقت ذاته لا تبذل اهتماما مماثلا للهيئة المعنية بحقوق الانسان وحمايتها من الانتهاكات. يكفي ان نعرف ان مفوضية حقوق الانسان، التي تأسست بموجب قانون رقم ٥٣ لعام ٢٠٠٨ وصوت البرلمان على اول مجلس لمفوضيها في عام ٢٠١٢، فشلت في عقد اجتماع واحد لها. فطيلة خمس سنوات لم تمتلك المفوضية مقرا ثابتا، واكتفى اعضاؤها، بالتجمع في احدى قاعات قبو البرلمان ان سنحت لهم الفرصة. كما ادى الخلاف على رئاسة المفوضية الى تحويلها لمؤسسة مشلولة.
لقد تصاعد الصراع حول دجاجة العملية السياسية التي تبيض ذهبا "مفوضية الانتخابات"، الى الحد الذي هدد البلاد بفوضى عارمة، بينما لم يحظ تشكيل مفوضية حقوق الانسان بمثل هذه الجلبة، وتم تمريرها بهدوء تام. من هنا نكتشف ان القوى السياسية تتنافس على اقتسام ثمرات الديمقراطية، لكنها تتنصل عن التزامات هذه الديمقراطية، التي نص عليها الدستور في باب الحقوق والحريات. فحلاوة السلطان، لدى احزابنا وكتلنا، مقدمة على حقوق الانسان!
البرلمان بين مفوّضيّتين
[post-views]
نشر في: 26 يوليو, 2017: 07:05 م