تعمل الثقافة الرسمية وحواشيها غالباً على تجميل صورة الشخصيات السياسية، وتكرس إمكاناتها لهذا الهدف وقد توظف بحوثاً ملفّقة في مجال الدراسات الأكاديمية- من أجل منح نفحات من بطولة خارقة أو إدعاء مواهب إبداعية أو تلميحات قدسية لشخصيات دينية أو سياسية أو اجتماعية تحتل مواقع في السلطة الحاكمة، ويعمل في السياق ذاته فريق واسع من الكتاب المنتفعين والعاملين في الإعلام والصحافة وبعض منتسبي المؤسسات الأكاديمية على تلميع تلك الشخصيات وتنسيب بطولات مخترعة لها ومنحها مصداقية تسندها الوثائق، كأن يفرض بعض الاساتذة على الطلاب عناوين رسائل ماجستير أو أطاريح دكتوراه عن شخصية سياسية أو برلمانية أو دينية، أو يوجهونهم لتناول موضوعات لاتنتمي لغير الشعوذات والمعتقدات الخرافية المناقضة للعقل والعلم.
وقد تُفرض بحوث لدراسة أعمال هزيلة لشخصيات سياسية باعتبارها منجزات فذة، فيقوم بعض الدارسين بتلفيق رسائل أو يشترونها من إحدى المكاتب المتخصصة ببيع البحوث والدراسات عن سياسي فاشل وينصّبونه كظاهرة ثقافية!! ، أو تكتب أطروحة دكتوراه عن سياسي فاسد ومختلس تنسب إليه أخلاقيات الحكماء وفضائل الزهاد، حصل هذا ويحصل في جامعات عراقية ظهرت فيها رسائل وأطاريح زيّفت وجه العلم والثقافة ونسبت لبعض رجال السلطة مواهب وعبقريات لا يملكونها ومنحت آخرين منهم شهادات دكتوراه كتبها محترفون لتترسخ ظاهرة التزييف العلمي والثقافي.
تنشغل الثقافة الرسمية في معظم بلدان عالمنا الثالث والديكتاتورية بخاصة، ويساندها مثقفو السلطة وحواشيها بموضوع تلميع الشخصيات العامة من حكّام مستبدين وحاشية ومنحها توصيفات ومزايا ترتفع بها فوق العادي واليومي لتبدو جديرة بالمواقع التي احتلتها وهي غير مؤهلة لها ، ويوظف الإعلام غالباً أعمال ونصوص كتبة السلطة لتأطير الصورة القدسية لتلك الشخصيات الخاوية، وغالباً ما تنسج قصصاً أقرب إلى المعجزات عن بطولات متخيلة يجري تداولها في الإعلام الموجّه، وقد تستحدث لتلك الشخصيات أشجار نسب تمتد إلى سلالات لها مكانتها المبجلة في الذاكرة الجمعية، فلا يمكن حينها لأيّ من الناس أن يقدم على انتقاد تلك الشخصيات التي امتلكت قدراً من حصانة قداسة اختلقها إعلام السلطة وتبناها المزاج الشعبوي.أتذكر هنا عبارات تنسب إلى أحد مفكري القرن الثامن عشر تدحض الادعاءات الكثيرة حول قداسة بعض الأشخاص وتبجيلهم، وتنكر العبارات على البشر تلك النفحة المقدسة المدّعاة، فتقول مامعناه لم نخلقك: مقدساً ولا مدنّساً بل انساناً، وهذا تأكيد على نفي القداسة المتوهّمة وتجريد الكائن البشري من ادعاءاته الباطلة حول انتسابه إلى الانبياء وتعاليه على البشر، في الوقت ذاته تنفي العبارة عن الانسان كونه مدنساً وتحفزه على أن يختار صيرورته بذاته وهو حرّ من توهمات النسب المتعالي، وفي السياق ذاته تذكر تلك العبارات أن الانسان لم يخلق ليكون مخلداً أو سريع الفناء، وعليه التشبث بحريته واختياره لمسلكه، وبالتالي امتلاك مصيره وتحقيق كرامة هذا المصير؛ وسيكون بوسع هذا الإنسان المحدود القدرة أن يجدد ذاته لأنه يحمل بذور الحياة وأن يبني كيانه على أساس من حرية الاختيار والكرامة دون الاستناد إلى نسب مقدس أو الاتكاء على سلطة أرضية، مكتفياً بقدرته على البناء وإمكانية النمو والازدهار الروحي والفكري إذا شاء أن يواصل التطور لاكتمال وجوده، ومتى ما نجحت عملية النمو الذاتي الواعي دون استناد إلى خرافات وأساطير وانتماءات وهمية سيكون بوسعه إنجاز عملية التطور والتقدم في مساره الإنساني، وسوف ينمو على نحو متواصل من غير لجوء إلى متكآت ميتافيزيقية أو أساطيرسياسية يتوهم البعض بأنها تمكنهم من نيل الحصانة لاحتمائهم بالنسب المقدّس.
تلميع الشخصية السياسية ثقافياً
[post-views]
نشر في: 29 يوليو, 2017: 09:01 م