استبشر الجميع أن كتل البرلمان وصلت الى سن الرشد، وباتت تفرق بين السياسي والسيادي، وهي تنجح لاول مرة بتمرير موازنة ٢٠١٧ قبل انتهاء السنة المالية. بينما اعتدنا في السنوات الماضية ان تستمر نقاشات الموازنة الى منتصف العام، ويستغرق اطلاق مخصصات المحافظات أشهراً أخرى، ما جعل الحكومات المحلية عاجزة عن إنفاق موازناتها. فقد سجلت البصرة أعلى معدلات الإنفاق بين شقيقاتها بنسبة لم تتجاوز سقف الـ٢٠٪.
كانت الكتل، ايام الموازنات الانفجارية، تتقاتل لحشر بنود ذات التزامات مالية كنوع من الاستثمار المبكر في الانتخابات. فتضمنت الموازنات الماضية، ادراج رواتب فلكية للرئاسات والنواب وذوي الدرجات الخاصة، كما واصلت الضغط لاغراق مؤسسات الدولة بمزيد من الموظفين والفضائيين الذين باتوا يستحوذون على ثلثي الموازنة.
وبعد هبوط أسعار النفط، وارتفاع عجز الموازنة، تركت الكتل مناكفاتها وقررت تمرير الموازنة الشحيحة قبل نهاية ٢٠١٦. وقتها اتبعت الحكومة سياسة إرضاء الجميع وتلبية طلباتهم، خلال اجتماعات ماراثونية كانت تعقد في القصر الحكومي بمشاركة طاقم المستشارين الحكوميين الذين كانوا يشرفون على تطبيق سياسة التقشف التي التزمت حكومة العبادي بها مع صندق النقد والبنك الدوليين.
لكن وبعد شهرين فقط عادت الحكومة لتعلن الطعن بأكثر من ٥٠٪ من بنود الموازنة. وكأنها اكتشفت المخالفات فجأة. وقتها وجه العبادي سهاماً الى البرلمان واتهمه بالتلاعب في أبواب الموازنة لصالح رواتب النواب. ولم تكن قيمة هذه المناقلات التي اجراها البرلمان تتجاوز ٥٠ مليار دينار من موازنة قدرت بـ١٠٠ ترليون دينار.
لقد اوقعت حكومة العبادي في فخ الموازنة ريثما يتم تمريرها، لتعود لاحقا لنسفها بشكل كامل، وتنخرط في سلسلة مرافعات امام المحكمة الاتحادية للدفاع عن موقفها. ومنذ اشهر اضطرت المحكمة الاتحادية لتشكيل ٣ لجان للفصل بخلافات البرلمان والحكومة بشأن طعون الموازنة، ومن المقرر عقد جلسة اخرى هذا اليوم.
فقد قدمت الحكومة، خلال تموز الماضي، تعديلا على الموازنة العامة، رغم ان العادة جرت ان تقدم الحكومات موازنة تكميلية في حال وجود وفرة مالية وليس تعديلا.
لكن سرّ تعديل الموازنة، الذي أقر في الـ٢٧ من تموز رغم استمرار المرافعات امام القضاء حول اصل قانون الموازنة، يتضح عندما نكتشف قيام الحكومة برفع بند البترودولار من أساسه، بعد ان وعدت نواب المحافظات النفطية الالتزام بمنح محافظاتهم ٥٪ بترودولار بدلا من ٥ بترودولار، الذي ينص عليه قانون المحافظات. وهذا اجراء من شأنه مفاقمة الاوضاع الاقتصادية والانسانية لمحافظات تعاني اصلا من توطن الفقر والبطالة رغم انها تمنح خزينة الدولة اكثر من ٩٥٪ من إيراداتها.
الفخ ذاته رسمته الحكومة للنواب في ما يتعلق بقانون مجالس المحافظات الذي اقره البرلمان في ٢٠٠٨، والتعديلات التي أجريت عليه في ٢٠١٢، وواجهته حكومة المالكي، حينها، بالطعن امام القضاء.
فقد كان اول قرارات رئيس الوزراء العبادي، بعد تكليفه بتشكيل الحكومة نهاية ٢٠١٤، إلغاء الطعن بالقانون، استجابة لمطالبات حلفاء المرحلة. لكن الحكومة عادت لاحقا وجمدت قانون المحافظات، الذي يعطيها هامشا جيدا من اللامركزية الادارية، عبر تقديم مسودتين لتعديل القانون، وتجنب الطعن امام القضاء.
وبالرغم من مرور عامين على دخول قانون المحافظات حيز التنفيذ "نظريا"، إلا ان جوهر القانون ما زال معطلا، لاسيما مع طعن الحكومة ببنود الموازنة التي تمنح المحافظات ٥٠٪ من إيرادات المنافذ وجباية الرسوم، ومخصصات البترودولار، وغيرها من الموارد التي تعزز تنمية المحافظات.
بفعل هذه الحيل البيروقراطية، تكون الكتل اكلت "مقلبا" ووقعت بفخ حكومي محكم، لاسيما تلك التي وقفت وراء تشريع زيادة مخصصات البترودولار، وتوسيع هامش اللامركزية، والتزمت بذلك أمام جمهورها عبر برامجها الانتخابية.
فخٌّ حكومي لمجلس النواب
[post-views]
نشر في: 2 أغسطس, 2017: 07:04 م