( المدى ) تقوِّم الاعوجاج بمنهج الإصلاح
ها هي الذكرى الخامسة عشرة لتأسيس صحيفة (المدى) تطلُّ من نافذة الحُلم العراقي الذي اغتيل الكثير من تفاصيله، ولطالما أشارت (المدى) ونوّهت إلى جملة من الأحداث التي تركت آثار خرابها على شتى مفاصل البلاد
( المدى ) تقوِّم الاعوجاج بمنهج الإصلاح
ها هي الذكرى الخامسة عشرة لتأسيس صحيفة (المدى) تطلُّ من نافذة الحُلم العراقي الذي اغتيل الكثير من تفاصيله، ولطالما أشارت (المدى) ونوّهت إلى جملة من الأحداث التي تركت آثار خرابها على شتى مفاصل البلاد الاقتصادية والخدمية والاجتماعية والثقافية، فضلاً عن السياسية واعتماد المحاصصة والإقصاء نهجاً في شكل إدارة البلاد. منذ عددها الأول في الخامس من آب 2003 وحتّى هذا العدد الذي سيصل الى الأربعة آلاف بعد أيام و(المدى) تتبنّى فكرة عمل الصحافة الحديثة، إن كان في التحرير أو التصميم أو كتابة التقارير والريبورتاجات والتحقيقات الصحفية فضلاً عن شكاوى وهموم الناس...
الركض خلف الأحداث
لم يفصلنا عن العدد (4000) سوى (12) عدداً فقط وتدخل (المدى) في ألفيتها الرابعة بعنفوان وتحدٍ لكل عقبات العمل الصحفي، مصرّة على مواصلة الطريق والنهج، كل تلك الأعداد لم يخلو أي عدد منها من تحقيق صحفي وهذا ليس بالشيء الهيّن في مجال الصحافة والإعلام خاصة إذا علمنا أن اغلب الصحف التي تصدر اليوم في البلاد تخلو من صفحة تحقيقات. طوال السنة الماضية من عمر (المدى) المتوقد تطرق قسم التحقيقات الى كل مايشغل ويهمّ المواطن الباحث عن لحظة خلاص وهدوء واستقرار، ففي جانب الخدمات تكاد تكون هناك متابعة اسبوعية لهذا الملف الخطير والمهمل من قبل الجهات المعنية، إن كان عبر التحقيقات المطوّلة أو الريبورتاجات أو الشكاوى وبقية زوايا صفحة شؤون الناس. كذلك تمت متابعة الشاغل الأول للعراقيين بعد الأمن، الكهرباء التي باتت مثل ضيفٍ خفيف الظل، الذي لايريد أن يثقل على مضيفه، فبعد ساعة وربما ساعتين بالكثير، تجده يستأذن الذهاب، لكن الكهرباء تذهب من دون أيّ استئذان. متابعة هذا الشاغل جاءت بشكل مستمر وفي شتى جوانبه الانتاجية والتوزيع والجباية والموضوع الأخير الذي آثرنا في (المدى) حول الخصخصة ورفضها من قبل العديد من المحافظات بعد فشل بعض تجاربها في العاصمة بغداد. كما تطرقنا الى موضوع المياه الصالحة للشرب واعتماد الناس على المياه المعبأة أو الفلاتر، نتيجة التلوث في المياه التي تصل عبر الأنابيب ناهيك عن استمرار قطعها.
صنع في العراق
لان الحُلم كان كبيراً برؤية عراقٍ جديد ينتج ويزرع ويستهلك ضمن حدود المعقول والمقبول، عراق يبنى بسواعد ابنائه الأخيار، الحاملين للواء العمل والانتاج، لكن للأسف، تمت إضاعة هذه الفرصة أيضاً وتحولت البلاد الى سوق كبيرة لشتى مصادر الانتاج الرديء الذي تناولناه وكشفنا العديد من خفاياه في عدد من التحقيقات والريبورتاجات التي ركزت على اهمية الصناعة العراقية وضرورة اعادة تطوير وافتتاح المصانع والمعامل المتوفقة لأسباب عدّة. وبالطبع الأمر لم يتوقف عند الصناعة فحسب، بل كانت للزراعة مساحة واسعة في التحقيقات، إن كان في البحث عن مكامن الخلل أو كشف تفاصيل ومعاناة الفلاحين وتأثير المستورد على الإنتاج المحلي الذي يكاد لايسد كلفة زراعته. فضلاً عن تناول أسباب التدهور الزراعي إن كان بغياب الخطط الحكومية أو ضعف امكانات الفلاحين أو شح المياه وما خلفه بناء السدود على منابع نهري دجلة والفرات. كما تناولنا موضوع مستحقات الفلاحين وتأثير تأخر تسلمها على الوضع المعيشي للمزارعين وعلى العملية الزراعية بشكل عام، فدون توفر السيولة المالية يعجز المزارع عن توفير ادوات الزراعة ومصاريف الحصاد خاصة للمحاصيل الستراتيجية الحنطة والشعير والرز..
داعش إلى مزبلة التاريخ
كما أنفردت (المدى) بنشر التحقيقات اليومية، أنفرد قسم التحقيقات بنشر العمليات الأمنية الخاصة ضد قيادات وعصابات داعش، إن كان في المناطق التي استولوا عليها وحررت أو في مضافاتهم ومخابئهم في العاصمة ومحيطها، عبر متابعة الزميل طارق أنمار لتلك العمليات الحصرية بـ(المدى) كشفت طرق تجنيــد الدواعش الأجـانـب ووصــولهم إلى الموصل وقصة عراقية موصلية تقتل سبعة من قيادات داعش بخمسة آلاف دينار. كما تابعت عملية استخبارية تطيح بقيادات ولاية شمال بغداد (الداعشية). وكشفت عن اشتداد الخلافات بين (المهاجرين والأنصار) الذي عجّل من نهاية داعش في القائم. كما نوّهت (المدى) عبر قسم التحقيقات وعلى لسان جهاز مكافحة الإرهاب بتحقيق استقصائي للزميل طارق الى أن أطفال العوائل الداعشية قنابل موقوتة بيد أجندات مخابراتية. كذلك لنا سبق نشر موضوع تجّار الموصل ورصدهم مليوني دولار لقتل قادة الدواعش، وبشأن الجرائم، نشرنا كيف تمكنت الأجهزة الامنية عبر متابعة متسول وإسكافي لاعتقال عصابة وتفكيك شبكة لتزوير العملة تتعامل مع الصاغة ومعارض السيارات، وتحقيق عن تعاون دولي أطاح بأفراد جماعة إرهابية دولية، وتحقيق موصليون : "ستاركس" الحسبة تشبه "إيفا" الانضباط العسكري أيام النظام السابق، وموضوع عن حملات تنظيف.. وهاشتاغات تتحوّل إلى حملات تطوعية لإعمار الساحل الأيسر. ومواضيع أخرى عديدة تناولنا بها نهايات داعش وعدداً من الجرائم التي تشكل خطراً على المجتمع العراقي.
الصحة أساس بناء المجتمع
من ضمن الأولويات التي منحت اهتماماً واسعاً في عمل قسم التحقيقات القطاع الصحي، إن كانت الخدمات والمستشفيات أو الأدوية وتوزيعها وشحتها أو عمل الصيدليات الأهلية وغلاء الأدوية وارتفاع كشفية الأطباء، وتلكؤ بناء المستشفيات الجديدة التي تحتاجها كل مدن البلاد، إذ قدمنا في عدد من التحقيقات تردي الخدمات الصحية المقدمة وواقع المستشفيات المتردي بشكل مستمر، كما ركزنا على واقع الفقراء بهذا الشأن والصعوبة التي يلقونها في العلاج، فضلاً عن التركيز أيضاً على جانب أدوية الأمراض المزمنة التي شحّت في الكثير من المستشفيات نتيجة غياب الرؤية الحقيقية والتخطيط العلمي لبناء هذا القطاع الحيوي الذي يرتبط ببناء المجتمع السليم. كذلك نشرنا بعض التحقيقات عن مهنة الطب التي يفترض أنها انسانية خالصة وكيف يتعامل بعض الأطباء والصيادلة مع المرضى بارتفاع أجور الكشفية والدواء، ناهيك عن ظاهرة تشفير الأدوية والتعامل مع صيدلية معينة. مع الاشارة الى عمل المستشفيات الأهلية التي يكاد يكون عدد منها لايختلف عن الحكومية التي تهمل بشكل متعمد..
التعليم ومستقبل أولادنا والبلاد
استطاعت ثورة 14 تموز 1958 أن توصل التعليم والتغذية الى أبعد نقطة في القرى والأرياف عبر تبنّي سياسة التعليم الإلزامي المجاني، والذي استمر بنموه حتى مرحلة الثمانينات وحرب الخليج الأولى، وكيف أخذ بالهبوط، لتأتي التسعينات وإطلاق رصاصة الرحمة، كما سبق وأن ذكرت بالحلم العراقي والتغيير والتعويل على عراقٍ جديد ينهض من ركام الدكتاتورية، لكن الذي حدث أن التدهور بقطاع التربية وصل الى مراحل تنذر بالخطر على مستقبل أولادنا ومستقبل البلاد العلمي خاصة بعد خروج العراق من التصنيف الدولي للتعليم. كبقية القطاعات المهمة تناولنا التعليم وشح المدارس التي وصل الدوام ببعضها الى ثلاث وجبات، المناهج التي تحثّ على النعرات الطائفية وطرق التدريس المتخلفة . فضلاً عن الحدث الأهم في السنة التعليمية الماضية وتأخر تسلّم المناهج الدراسية، وموضوع الامتحانات ونسبة النجاح المتدنية، كذلك أشرنا في زوايا صفحة شؤون الناس الى جوانب كثيرة بقطاع التربية. وركزنا في اكثر من تحقيق، حول التعليم العالي وموضوع القبولات والجامعات الأهلية وغياب الرؤية المنهجية لقيادة التعليم العالي في البلاد وموضوع الدراسات العليا وتفاصيل أخرى كانت مثار اهتمام كل المعنيين بهذا الشأن.
الحريات العامّة قضيتنا
وتماشياً مع نهج المؤسسة وتبنّي خطاب الحريات العامّة، تابع قسم التحقيقات كل مايحدث بهذا الشأن وبشكل خاص موضوع البرلمان الحرياتِ الشخصيةَ وتهديد المكوناتِ العراقية عبر قرار منع وتداول المشروبات الروحية، وموضوع الكرستال والحشيشة وإدمان المخدرات نتيجة منع المشروبات الروحية، فضلاً عن تناول موضوع انتشار المخدرات في المحافظات الجنوبية والذي تسبب بالعديد من الجرائم بمختلف أنواعها، كذلك ركزنا على جانب التأثير الاجتماعي والاقتصادي في هذا الشأن. وتناولنا أيضاً مضايقات بعض الجهات الحكومية على الحريات العامّة من خلال فرض الحجاب في هذه المدينة وتلك، والتعدي على الكوفي شوبات وغلق بعضها بحجة عمل الفتيات. كذلك بحثنا عن دور مواقع التواصل الاجتماعي في انتشار المخدرات وتعاطيه وكيف جعل البعض منها مكاناً للترويج والبيع ...
الوصول بعد الموعد
وليس ببعيد عن بقية القطاعات الخدمية، احتل قطاع النقل اهتماماً في عمل القسم، إن كان البري أو الجوي لانعدام النقل النهري والبحري، عبر نقل معاناة الناس في التنقل إن كان الداخلي في العاصمة بغداد والمحافظات أو بينها والعاصمة وبشكل خاص الطرق التي لم تعد صالحة ونوعية المركبات، فضلاً عن الفقرة الأهم بهذا الشأن مداخل العاصمة والمدن والسيطرات التي تأخذ وقتاً وجهداً من السائق والمسافرين، وغياب مصلحة النقل العام بين المحافظات واقتصارها على العاصمة بغداد والمتمثلة بحافلة الطابقين وهي الأخرى بحاجة الى الاهتمام والمتابعة، مثلما أشرنا الى ذلك في بعض التحقيقات. أما قطاع النقل الجوي وما يحدث في الطريق الى المطار وعلى الطائر الأخضر، فقد تناولناها بشكل مسهب وواسع، إن كان عبر شكاوى الناس أو التحقيقات الاستقصائية. كذلك نبّهنا الى مشكلة أخرى بهذا الشأن، الجسور والمجسرات وأهمية انشاء المناطق الحرّة للتبادل التجاري كي نتجنب الزحامات اليومية التي تتسبب بهدر الوقت والجهد والمال والاستهلاك الكبير للسيارات والوقود الذي هو الآخر كان محط اهتمام قسم التحقيقات..
السكن اطمئنان وراحة بال
في الكثير من الدول، انتهى موضوع السكن وبات من الأمور الهامشية، وهذا نتاج العمل والتخطيط السليم لتوفير سبل العيش الكريم للمواطنين، لكن عراق 2003 بات مشكلة كبرى نخرت كل مدنه بالعشوائيات والتجاوزات على الأملاك العامة، نتيجة الأزمة الحادة والتناقص في مشاريع السكن بعد 2003 قياساً بالزيادة السكانية الكبيرة. هذه الأزمة حولت المدن والأحياء الى كتل كونكريتية صمّاء بعد تحويل الحدائق الى مشتملات وبيوت صغيرة لاتصلح لسكن عائلة مكونة من 6 افراد. أما الفقراء فقد لجأوا الى العشوائيات التي شوّهت المدن وأضرت بقطاع الخدمات، الماء والكهرباء والمجاري بوجه الخصوص. كذلك تم تناول مشاريع الإسكان الجديدة التي لم يكتمل اغلبها مثل مشروع بسماية ومجمع الزهور في بغداد الجديدة ومشروع بوب الشام السكني وغيرها من مشاريع مضى عليها سنين عدة، كان بالإمكان أن ينتهي منها في غضون سنة أو سنتين أو ثلاث في أبعد الأحوال، لكن كما أشرنا، غياب الرؤية العلمية والعملية، انهى حلم الكثير من المواطنين بالسكن في بيت يسجّل في دائرة العقاري بأسمائهم مطمئنين من خوف نهاية الشهر والإيجار الذي بات يُحدّد حسب مزاج المالك.
شؤون الناس وعبق الأمكنة
لكل مكان عبق خاص يجول في زواياه وخباياه الأثيرة وسيرة الشخوص والأحداث التي فتحت صفحة أمكنة ضمن قسم التحقيقات نوافذ مدن عدّة، واحياء بغدادية شهيرة، هذه الصفحة وعبر عمرها القصير في القسم استطاعت أن تثبت حضورها وترفد بمواد حصرية من كتاب وأدباء عراقيين ارتبطوا بالمكان والحدث.
أما صفحة شؤون الناس، فقد كانت السنة الماضية من عمر (المدى) المنير محطة مهمة لهذه الصفحة التي حرصت على تبنّي هموم وشكاوى الناس، ونشرها بكل حيادية، فضلاً عن نشر الصور الحصرية إن كان في زاوية مشاهدة أو صيد العدسة. كذلك كان لنا تواصل مهم مع المواطنين عبر زاوية المواطن صحافي، أما الجانب الآخر والمتمثل بالحكومي، فقد لمسنا تجاوباً كبيراً مع ما ينشر في قسم التحقيقات وبقية صفحات الجريدة، إذ حرص عدد من المكاتب الاعلامية للوزارات على الرد وتوضيح ما يُنشر من مواضيع تخصّ عمل وزاراتهم، والتي تأخذ طريقها للنشر مهما اختلفنا بوجهات النظر عملاً بحرية النشر وإبداء الرأي.
الأمر الآخر الذي لابد من ذكره في ما يخص عمل قسم التحقيقات، تفنن الزملاء في قسم التصميم والإخراج وحرصهم على إظهار صفحات القسم بحلّة جديدة مرسومة بدقة ومهارة وحرفنة.
لم يقتصر عمل قسم التحقيقات على العاصمة بغداد، فحسب بل رفدنا الزملاء من مراسلي الصحيفة في المحافظات، بتحقيقات وريبورتاجات مهمة عن واقع مدنهم الخدمي والأمني، والمشاريع المتلكئة، وسير تنفيذ وإتمام بعضها وتأثير التقشف في تفشي ظاهرة البطالة في أغلب تلك المدن. ظاهرة التسول كانت تحت مرصد قسم التحقيقات أيضاً، كما نشرنا أكثر من موضوع عن الأهوار وما تعانيه من إهمال حتّى بعد إدراجها ضمن لائحة التراث العالمي، وقضية الصيد الجائر الذي أضر بالبيئة الأهوارية والسياحة التي كان يعول عليها أن تكون من سمات المشروع. كذلك رفدنا الزملاء بمواضيع عن المنافذ الحدودية والكمارك وكيفية دخول البضائع الرديئة وتواطؤ البعض من العاملين في هذه المنافذ ما أضر بالإنتاج المحلي.
ليس أخيراً ولا ختاماً
وإذ نفتتح السنة الخامسة عشرة من عمر (المدى) بهذا العدد الذي يحمل بين طيات صفحته التهاني والتبريكات بذكرى التأسيس التي انطلقت قبل خمسة عشر عاماً في مثل هذا اليوم، بعدد استمر لمدة شهر أسبوعياً ثم تحول الى يومين في الأسبوع لوقت لايتجاوز الشهر والنصف، ليتحول بعد ذلك الى عدد يومي ذائع الصيت والشهرة، استمر وسيستمر بتجددٍ دائم وحيوية الشباب وروح التفاؤل والعمل كفريق واحد، ستستمر (المدى) بنهجها الوطني وخطابها المعتدل الواضح المعالم والأفكار والمتبنيات، مثلما ستستمر بعطائها الصحفي وتبنيها قضايا وهموم الناس، وستبقى نبض الشارع ومقصد كل مواطن يبحث عن المصداقية والحقيقة... كل عام و(المدى) بخير ومحبة وألق، وإلى سنة أخرى ترن بها أجراس النجاح والازدهار.
جميع التعليقات 1
بغداد
مبروك لذكرى الخمسة عشر عاما على تأسيس جريدة المدى الوقورة بكتابها وأدبائها وفنانيها وبمواضيعها الشاملة التي تبث الوعي بين ابناء الوطن الواحد للشعب العراقي على أساس الولاء للوطن ولبناء عراق مزدهر متحضر مدني بحكومة مدنية بعيدة عن التحزبات والشعارات الدينية