عدنا للاستذكار السنوي، لنوقد شمعة ميلاد المدى الجديدة هذه المرة من نار الحرف في كيّه مواضع جسد رياضي يعاني جروح الاحتراب بألسنة لا تتورع عن تبادل الاتهامات من أجل فرض الإرادات، طمعاً بما تبقى لها من مناصب ألتهمت كل شيء فيها دون أن تدفع الثمن!
صراحة، لم تترك لنا هموم الرياضة فرصة الاحتفال برغم أنه استحقاق مهني لما بُذل من جهود منذ 5 آب 2016 حتى الآن، فالمصائب تترى، ونكاد كل يوم نفجع بمصيبة كالتي طوت المدى عامها الرابع عشر بحادثة تهديد أمن رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية رعد حمودي في حادث لم يكشف الكثير عن تفاصيله، واكتفت أسرة الرياضة والإعلام بالاطمئنان على سلامته في منزله بعد أن قُيّد كشف الشرطة ضد مجهولين، فيما تعرّضت الأولمبية نفسها قبل اسبوعين لاعتداء معلوم على أحد موظفيها في مكتبه، ولا يعلم أحد من سيكون المستهدف في المرة المقبلة في ظل صمت حكومي غير مبرر إزاء التهديدات التي تواجه رياضتنا من الخطورة تهوينها وتعليقها على مشجب سلوكيات منفردة ومنفلتة!
تقف رياضة (المدى) اليوم على منصة العيد بهندام جديد وفكر متجدِّد، مستعدة لعام مخبوء بالتحديات لما ينتظرها على محك التزامها المهني مع القراء، لكنها تتكىء قليلاً لتلتقط انفاس الماضي، تنظر من قلب مثقوب الى صحبٍ أوفياء حرسوا كلماتها الملقاة كالرصاص في وجوه الفاسدين والطائفيين والسراق والمزيفين بقناع الوطنية والمتآمرين على الاتحادات والأندية والمخاطرين في حقول ألغام الإعلام والمندسين بين الجماهير، لاسيما في أسوأ ظروف العراق حقداً وخطفاً وقتلاً وتمزيقاً للإنسانية عامي 2005و2006، يوم كانت المدى ترشَّ حقول الرياضة بماء الورد المخلوط بعرق جباه الزملاء خليل جليل ويوسف فعل وأكرام زين العابدين وطه كمر معاً وزميلي حيدر مدلول الذي يواصل رحلة الوفاء والعطاء، فيما كانت الدماء تتناثر من صباحات العراق الجريح الى أماسيه المفزوعة على وقع صيحات الضحايا المغدورين.
رحلتْ صُحبة الأمس بعيداً عن (المدى)، كُلٌّ مضى في دروب ظرفه ومحنته والتزامه العائلي، لكّنه لم يَنس الزمن الجميل، ومُنجزات البناء المهني الرصين بأساسات حفرت في ذاكرة الرياضيين انفسهم مواقف واعترافات ومشاهدات لبطولات وأحداث ابطال وثّقَت على صفحات (المدى) كنسخ أصلية في تاريخهم بشهاداتهم فيما بعد، فالمصداقية كانت ولم تزل صنو السمعة التي نفتخر بها في مجتمع رياضي يبحث عن الموضوعية بلا جدل، أكثر من لهاث بعض أفراده عن مواقع اشهار كالسراب بلا أمل!
وبرغم ضغط النفقات وسياسة التقشّف ليس في الصحيفة فحسب، بل في جميع الصحف الأخرى نتيجة الظروف الاقتصادية التي تعانيها البلاد منذ عام 2014 بسبب الحرب ضد داعش لتحرير أهلنا في الموصل والتي انتهت بنصر كبير أعلن رسمياً في العاشر من تموز الماضي، برغم كل ذلك تعاضد معنا كتّاب ونقاد مخلصون هم علي رياح وخليل جليل وعبدالوهاب النعيمي ومحمد حمدي ورعد العراقي والدكتور عبداللطيف كاظم والمغترب الأكاديمي ممتاز توماس، أسدوا درساً بالغ التأثير في مرحلة المحك الجدّي لقيم النفوس الباذلة من أجل مكافحة ثلاثة عوامل تدمّر الرياضة العراقية وهي (الأمية والفساد والإرهاب) مفاده أن اخلاقيات الصحافة الرزنة لن تبيح مقايضة الكلمة بالدينار، فسجّلوا أعلى معدلات الإيثار وواصلوا الكتابة بشغف، متضامنين مع رسالة (المدى) وسعيها للإصلاح الرياضي بنهج عفيف لا يمس كرامة المسؤول ولا يمسح ربطة عنقه!
وبتقدير عالٍ مكلل بورد العيد نثمّن مسؤولية الثقة التي استودعها الخبير الرياضي الدكتور باسل عبدالمهدي أمانة في مرسى (المدى) لانطلاق سُفنه الفكرية المحمّلة بأجود عصائر التجربة الطويلة التي تمتد لـ 62 عاماً "منذ أن ضرب ساعديه الموج بطلاً منافساً أول مرة عام 1955" ، نحو سواحل تمرّدت على نُظم وقوانين الدولة في الرياضة واحتكمت للأجنبي ضدّها، فأنبرى الرجل ناصحاً بحرص الأب ومحذراً بروحية العرّاف العلمي ببواطن الأزمات عبر مقالات موسومة عَظُمتْ في عقول أصلاء الرياضة وصَغُرتْ في عيون البُلهاء خشية حرمانهم من نِعَم المواقع إذا ما افتضح أمرهم.
مبارك لجميع زملائنا النجباء الرابضين على أرض (المدى) لمطاردة الحقائق وكشف الوثائق والمساهمة في بناء العراق، ورحم الله من أسهم في غرس عوده المعطاء بيننا تاركاً فعله قبل اسمه لنباهي به ناموس المهنة.
شمعة من نار الحرف
[post-views]
نشر في: 5 أغسطس, 2017: 05:29 م