أمس، التقيت واحداً من أبرز الشخصيات البصرية، التي ناضلت طويلاً، وباندفاع قل نظيره في سبيل قيام الدولة المدنية، فقد كان ناشطاً مدنياً ونقابيا صلبا ومدافعا عنيدا عن حقوق المعلمين والمتقاعدين والطبقات الشعبية، لكنني فوجئت بتخليه نهائياً عن مشروعه ذاك، وتراجعه حد عدم الرغبة بالخوض في حديث عن التغيير والتحولات ثم أنني وجدته منكسراً، مهزماَ، يائساً. وفي حديث طويل عريض راح يشرح لي دوافع تخليه ومسببات قعوده في البيت، بعيداً عن أي حديث في امكانية تحول المجتمع أو التنديد بالطبقة السياسية الفاسدة، ثم أنني وجدته غير عابئ بمئات المتظاهرين، الذين خرجوا وملأوا الساحة المقابلة لمبنى الحكومة رافعين يافطاتهم، منددين بمواقف البرلمانيين من قانون الانتخابات الذين صوتوا على القانون الجديد.1.9.
كان لقائي بصديقي النقابي في شارع الفراهيدي (شارع الثقافة البصري) حيث يأتي جمع من المثقفين، في لقاء شبه اسبوعي وحديث عن الكتب الجديدة، ولمّا انتهى الرجل من حيث افاض في قنوطه واحباطه، وجدتنا جميعاً بذاك القنوط والاحباط، لكن الحديث اتخذ أكثر من مسار في أسباب ذلك، فقد ذهب البعض الى الأداء السياسي السيئ للطبقة السياسية الحاكمة، التي أوصلت الناس الى هذه، فيما ذهب البعض الآخر الى اوضاع المنطقة السيئة والتأثير الإقليمي على العراق وهكذا، إلا أنني مع آخرين كنا قد ذهبنا الى أبعد من ذلك، ملقين باللائمة على طبيعة الشخصية العراقية، ذات التركيبة المعقدة، التي أعيت الولاة والحكام، يساعدنا في مذهبنا هذا ما روي عنها(الشخصية) في كتب التاريخ منذ النصف الأول من القرن الهجري الأول الى يومنا هذا.
هل كان الدين وانقسام المتدينين الى طائفتين تضمران خلافا تاريخيا سبباً لذلك؟ ربما، هل كان النظام القبلي والعشائري المتخلف، الذي دأب على الانتفاع من النظم السياسية أياً كان شكلها سبباً أخرَ؟ ربما، هل كانت الحكومات والدكتاتوريات التي توالت على الحكم سبباً ثالثاً ؟ ربما.. بل هل كانت الشخصية العراقية بتركيبتها غير المطمئنة، والمعقدة كثيراً وشعورها بالظلم الأبدي أو بإحساسها العميق بأن الوطن قطعة يتناهبها السياسيون، ولا حصة لها فيها، وما إلى ذلك من أراء وأفكار أسباباً في ما نحن عليه اليوم؟ أنا شخصياً، لا أستبعد ذلك كله.
في طريق عودتنا، بالسيارة مع ابني، كنا نشاهد اكداس النفايات وقد ملأت الأرصفة والجزرات الوسطية والرائحة تزكم الانوف، سألني عن السبب، كنت علمت بان الشركة الوطنية للتنظيف(الكويتية) قد أوقفت أعمالها، ذلك لأن الحكومة المحلية لم تدفع لها مستحقاتها المالية، وعبر حديث عن هذه وتلك سألني ما إذا أعرف شيئاً عن السبل التي تجعل المدن التي شاهدتها خارج العراق نظيفة ؟ فقلت له: الانسان هناك مختلف تماماً، النظافة سلوك وهي ثقافة وممارسة يومية مثل الرياضة وقراءة الصحف ومتابعة برامج التلفزيون. وددت أن أقول له بان عدد العاملين في بلدية باكو أقل بعشرات المرات من عمال الشركة الكويتية العاملين في البصرة، لكنَّ أحدهم قطع حديثي، فقد فتح نافذة سيارته ورمى بعلبة الماء الفارغة باتجاهنا.
علبة الماء الفارغة
[post-views]
نشر في: 5 أغسطس, 2017: 09:01 م