ئاشتي الذاكرةُ...كائن هلامي يلتهمُ كل الأحداث،ويخزنها في تجاعيد انحناءته، كي تورقَ ثانيةً، أو تختبئ إلى زمن ٍلا يعرف فيه المرء ،غير انتشاء أحزانه ،أو ربما تتجاوز حدود الفرح،فتصبح شعارا يردده منْ لمْ يكن ْ مولودا حينذاك،عندها تتألق في العيون شمسُ الأمل،وتزهر بين الحناجر أغنية للتفاؤل.
والذاكرة...ذاكرتك أنت أبن المدينة الجنوبية، يوم كنت تقف في عز الظهيرة،تنتظر السيارة التي تحمل لكم طريق الشعب،وقبلها الفكر الجديد،كي تقرأ عمود (أبو كَاطع)لأنك كنت ولازلت مولعا،بما يلامس شغاف القلب،وهو جوابك للرفيق الذي كان يقول ،عندما تتأخر الجريدة عن الوصول، (اليوم البنات ينامن بلايه غطه)،ولكنه يستدرك معك القول بسؤال توضيحي ( جا شلون لو جنت تقره عمود أبو سعيد بإتحاد الشعب)الذاكرة...وذاكرتك حين تأخذك إلى زواياها ،يروي لك رفيقك هذا،( المعلم الذي سحبت يده من التعليم فعمل إسكافيا،) قصة سارق الأكفان( التي كتبها أبو سعيد في أحد أعمدته) وملخصها ضجرت الناس من الشخص الذي يقوم بدفن الموتى،وعندما مات فرحوا كثيرا، لأنه كان يسرق أكفان الموتى،عندها جاء خلفا له أبنه وهو على علم بشتائم الناس لأبيه، لهذا قرر أن يجعل الناس تترحم على أبيه، فأخذ يسرق الكفن ويدق قازوقا في مؤخرة الميت.والذاكرة...ذاكرتك حين تأخذك إلى زواياها،ويروي الفنان يوسف العاني حادثة عندما سأله أبو سعيد عن إمكانياته في أن يكون ممثلا،ولكن يوسف العاني أخبره بعدم إمكانية صلاحيته كممثل ،مرت الأيام وجاء انقلاب شباط الأسود،يقول الفنان يوسف العاني:وبينما كنت أسير في رأس القرية ،ألح بائع (بذور الرقي) في أن أشتري منه،وكنت أرفض في كل مرة،ولكنه كان يتابعني( حب عيني... حب ركَي)،وإذ زجرته بقسوة،ابتسم لي وقال (ها أنه أصلح للتمثيل) الذاكرة...ذاكرتك تأخذك إلى قصائد النواب ،وهو يصوغ علاقته،بموعد ثابت مع أبو سعيد في كل عام،ولكن عام 1963 يختلف في انتمائه فيكتب:( عودتني ،أنتظر وأرسم عله الأيام موعد،كَتلي من يعتك جرح ..جرحين،يتلاكَه وجعهه،وعودتني أترك أبيتكبطاقة عيد وموعد وأكتب ببابك إذا مسافر جلمتينولكيتك سافرت من غير رجعهوعودتني)ذاكرتك... ذاكرة الزمن المر، ولكنه سيغدو عسلا ، حين يحتفي الصحفيون، والشيوعيون في مقدمتهم، بالعيد التسعين لميلاد كاتب أجمل عمود صحفي ، أنه أبو سعيد ..ذلك الصحفي الذي هو حقا من طراز جديد.
ابو سعيد ...صحفيٌ من طراز جديد
نشر في: 24 فبراير, 2010: 05:44 م