TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عن الحروب الساخنة والهجرة

عن الحروب الساخنة والهجرة

نشر في: 8 أغسطس, 2017: 09:01 م

انتهت الحرب الباردة في نوفمبر/ تشرين الثاني 1989 مع سقوط جدار برلين، لتبدأ بعدها بين القوى العظمى حمى حروب ساخنة في أماكن متعددة في العالم، في أفريقيا وآسيا، في البالقان، في الشرق الأوسط، في أوكرانيا، (لكي لا نذكر العراق، الذي هو استثناء في العالم: حروبه دائمة!) ومع الوقت، كلما كثرت الحروب في العالم، كلما ازداد عدد المهاجرين، وكلما زاد عدد المهاجرين، كلما اختلت الصورة عنهم. بل وكلما ازداد عدد معسكرات "اعتقالـ" هم!
اليوم يواجه القادم الجديد إلى أوروبا مشاكل لا تُحصى، عليه أن يكافح أولاً ضد الكليشهيات التي حولته إلى رقم وحسب، إلى صفة، إلى تهمة: العربي أصبح في الذهنية الغربية، أسامة بن لادن وأبو بكر البغدادي، الإرهابي الذي يلبس حزاماً ناسفاً أو يقود شاحنة ويفجّر نفسه بين الناس؛ فيما تحولت صورة الأفريقي إلى مغتصب نساء وتاجر مخدرات، أما صورة الأميركي اللاتيني، فهي صورة عاطل عن العمل، يبحث عن ملاذ اقتصادي لا غير، وفي أحسن الأحوال إذا كان قادماً من كولومبيا والمكسيك، فهو تاجر كوكائين وميروانا وغيرهما من المخدرات. لا الهجرة عادت سهلة، أو أمراً طبيعياً، ولا الإقامة ستجلب سعادة في الوطن الجديد. كبيرة هي التحديات التي يواجهها الطرفان: المستقبلون من السكان الأصليين والوافدون القادمون من بلدان الأزمات والحروب والمجاعات، الساعون لبناء حياة جديدة.
الطرفان يخافان بعضهما، هذا أمر طبيعي، فالإنسان دائماً يخاف مما هو غريب عليه لا يعرفه، يحتاج بعض الوقت، لكي ينتهي من خوفه، يحتاج الوقت للتعرف على الآخر لكي يعيد النظر بأحكامه المسبقة أو ينتهي من خوفه. ذلك هو ديدن الإنسان، ليس في العلاقة بين المواطنين الأصليين والوافدين فحسب، بل حتى في علاقة الناس ببعضهم، في كل زمان ومكان، بل وحتى في علاقات الحب بين الرجل والمرأة، يحتاج الاثنان الوقت لكي يطمئنا لبعض وينتهيان من مخاوفهما من العلاقة المستقبلية. المشكلة التي تواجهنا في حالة المهاجرين، أن أغلب سياسيي أوروبا لا يساعدون مواطنيهم على الانتهاء من مخاوفهم، على العكس، يفعلون كل ما في وسعهم لكي يزيدوا من قلق ومخاوف الناس، يصبّون الزيت على النار، كما يقول المثل، يحولون المخاوف إلى قوانين، يطلقون دعوات بناء الأسوار والجدران على الحدود، بل وصل الأمر ببعض الغوغائيين والشعبويين الى أن يدعوا لإغلاق طريق البحر الأبيض المتوسط ... أي هراء ... أية صيحات تقود في النهاية لقتل الطبيعة والإنسان!
وشكراً لسياسيين من هذا الطراز أصبح عالمنا مقسماً وبشكل أكثر وضوح إلى عالمين: عالم مقيمين، يملكون ويحتلون، وينتجون ويصدرون سلاحاً، وما يملكونه يدافعون عنه بأيّ ثمن، وعالم مشردين لا يملكون غير أن يختاروا بين الذهاب إلى الحرب أو الهجرة إلى شمال لا يتعب من انتاج السلاح وبيعه بالأطنان على كل تلك البلدان التي دخلت أو ستدخل مع جيرانها في حروب.
الإنذار ما يزال ساري المفعول إلى اليوم والهوّة بين العالمين في ازدياد. الهاوية ليست بعيدة عنا. لا أحد يعرف أين ستنتهي الرحلة، رغم أن البعض يبني أسواراً وموانعَ وجدراناً لكي يوقف الرحيل، و... رغم أن البعض ورغم كل هذه الموانع يصرّ على التنقل ... على الرحيل.
لساني لسان المشردين والمطرودين من جناتهم في كل مكان يردد: لم نذهب بإرادتنا. لكننا باقون هنا بإرادتنا، نحن ذوات حية، نهز ضمائر البشرية كل يوم، ضمائر أولئك السعداء، الذين يعيشون بسلام بعيدين عن كل حرب وهرب، وحرب وجوع وبيع سلاح. نذكر بالحرب والرفاهية. بالغنيمة والاستغلال. الآن ستقولون لي، لكن كل هذا سبق وأن عشناه أيضاً هنا. هنا في المانيا وفي أوروبا. الحرب والبؤس والجوع والتشرد. نعم. صحيح. قبل 70 عاماً. وماذا عن الآن؟
العمود يُنشر بالتزامن مع نشره مترجماً في مجلة آمنستي أنترنيشنل العالمية لشهر آب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram