TOP

جريدة المدى > عربي و دولي > تركيا.. على منحدر الحريات السياسية!

تركيا.. على منحدر الحريات السياسية!

نشر في: 13 أغسطس, 2017: 12:01 ص

من الواضح جداً أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد بذل كل جهده في العامين الأخيرين لا لتطوير تركيا ديمقراطية حرة وحديثة، بل للهيمنة الشخصية ــ الحزبية على كل مفاصل الدولة ومقدرات الشعب التركي، وكأن المنطقة بحاجة لطاغية جديد يخلّف وراءه مزيداً من الخر

من الواضح جداً أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد بذل كل جهده في العامين الأخيرين لا لتطوير تركيا ديمقراطية حرة وحديثة، بل للهيمنة الشخصية ــ الحزبية على كل مفاصل الدولة ومقدرات الشعب التركي، وكأن المنطقة بحاجة لطاغية جديد يخلّف وراءه مزيداً من الخراب.

وقد استخدم أردوغان، في ذلك، أوراقاً عديدة، منها افتعاله أزماتٍ مع بعض الدول المهمة ثم التصالح معها (روسيا، إسرائيل، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، العراق ...)، وتسهيلاته المفضوحة لأمور داعش في المنطقة، وابتزازه الأوروبيين وتهديدهم بتسليط الإرهابيين واللاجئين عليهم إن لم يدفعوا له المليارات التي يريدها منهم، واختلاقه انقلاباً فاشلاً في العام الماضي يبرر له القيام بتصفية قيادات وعناصر الشرطة والقوات المسلحة والقضاء والتعليم والإعلام غير الموالية له، بحجة ولائها لحركة دينية، كحزبه الحاكم/ الأخوان المسلمين تماماً. وكان أردوغان إلى وقت قريب متحالفاً مع غولن وحركته قبل أن ينقلب عليها ويجعلها "إرهابية" لتبرير تصفيتها بكل الأساليب، وبضمنها الفصل من الوظائف الرسمية، والتشهير الإعلامي، والمحاكمات الجارية الآن، وعزمه على أعادة العمل بأحكام الإعدام.
وكان لا بد لهذه الحملة المدروسة أن تطال حرية الرأي والتعبير من خلال المنابر الصحفية، وكان من ثمارها الفجّة اعتقال الصحافيين، وإغلاق المئات من هذه الوسائل بمختلف أنواعها، والتضييق على غيرها لإسكات أي صوت معارض للسلطان العثماني الجديد، الذي لا يدرك كما هو واضح تماماً أنه في عصر غير مناسب لتحقيق مثل هذا الحلم الفنطازي الذي عفى عليه الزمن!  
وقد جرت في هذا الإطار في الشهر الماضي محاكمة عدد من الصحافيين العاملين في أقدم صحيفة في تركيا، "جمهوريَت Cumhuriyet"، وأصدرت محكمة في استنبول قراراً بإطلاق سراح سبعة صحافيين بعد تسعة أشهر في السجن وجلسات استماع تمهيدية في أكبر محاكمة للصحافيين شهدتها البلاد منذ محاولة الانقلاب في العام الماضي، كما جاء في مقال كريم شاهين وغوزدي هاتونوغلو من استنبول، المنشور في صحيفة The Guardian اللندنية. لكن المحكمة أمرت باستمرار احتجاز خمسة صحافيين آخرين ــ بضمنهم المدير التنفيذي الأعلى للصحيفة ومعظم مراسليها الكبار ــ في انتكاسة أخرى لحرية الصحافة في بلد ما يزال يتخبط من تأثير التمرد الدموي الفاشل. ومن المتوقع أن تُعقد مجموعة جلسات الاستماع التالية في شهرين.
وقد تجمع مئات عديدة من الناس خارج محكمة جاغليان في وسط استنبول لإبداء التضامن مع الصحافيين المسجونين. أما في الداخل، فقد راح المحامون المدافعون عن موظفي "جمهوريت" يلقون مرافعاتهم الختامية في قاعة المحكمة التي اكتظت بعوائل، وصحافيين، ومراقبين دوليين.
وقال المحامون إن التهم الموجهة لموكليهم لا أساس لها والمقصود بها إثارة الخوف لدى الصحافيين العاملين في تركيا، وقارنها أحدهم بفترة مكارثي القمعية في الولايات المتحدة خلال الخمسينيات، حين كان الناس المشكوك في إضمارهم التعاطف مع الحزب الشيوعي يتم تطهيرهم من كل سبل الحياة استناداً على شهادات زائفة.  ويرى المدافعون عن حقوق الإنسان وحرية الصحافة على نطاق واسع أن محاكمة طاقم صحيفة "جمهوريت" هذه هي محاولة لتخويف الصحافيين باتهامات من دون أساس. فبعض الصحافيين متهمون بمساعدة مؤيدي فتح الله غولِن، رجل الدين المنفي الذي يُعتقد بأنه منسق محاولة انقلاب العام الماضي، بالرغم من موقف صحبفة "جمهوريت" المعروف المعارض لحركة غولن.. وقد قال بحري بيرام بيلين، أحد محامي الدفاع في القضية، في مقابلة مع صحيفة الغارديان اللندنية، "إننا نريد حرية الفكر والصحافة لبلادنا، نريد قضاءً نزيهاً ومستقلاً ومحاكمات عادلة لبلادنا. فمن دون ذلك، لا يمكن أن تكون لدينا ديمقراطية". وعلى مدى الأيام الأربعة من الإجراءات، قدم الصحافيون عند منصة الشهود بيّناتٍ قوية عن احتجازهم. ومنهم أحمد شيك، وهو صحافي مخضرم سجنه أتباع غولِن لكتابته تحقيقات عن سوء ممارستهم للسلطة، قام بتوضيح كيف أن حزب أردوغان الحاكم اليوم كان يشارك لسنين مع حركة غولن. وقال، "إن تجريم النشاطات الصحفية سمة مشتركة من سمات أنظمة الحكم الشمولية الاستبدادية. وخبرتي تبيّن أني وبسبب نشاطاتي الصحفية أصبحتُ مخالفاً لقضاء كل حكومة وكل عهد. وأنا فخور بهذا الإرث. وسوف أخلّفه لابنتي". وأضاف قائلاً، " لقد كنت صحافياً أمس. وأنا صحافي اليوم. وسوف أمارس الصحافة غداً. وهذا يعني أن التناقض المطلق بيننا وبين أولئك الذين يريدون خنق الحقيقة لن ينتهي أبداً. وما نحتاج إليه، في هذه الأيام القاتمة، ليس المزيد من فقدان الحقيقة. بل المزيد منها".
وتبقى تركيا أكبر سجان للصحافيين في العالم ، مع وجود أكثر من 150 منهم وراء القضبان. وقد أغلقت السلطات أكثر من 170 منفذاً إعلامياً منذ محاولة انقلاب العام الماضي تحت حالة الطوارئ، وسحبت البطاقات الصحفية وصادرت الجوازات الخاصة بـ 800 صحافي. وتدخلت قي عمل معظم الصحف، ويقول صحافيون ومعارضون أن المعلنين توقفوا عن نشر إعلاناتهم في الصحف التي تنتقد الحكومة خوفاً من عواقب ذلك. وكان للإجراءات القضائية الصارمة ضد الصحافيين والتهديدات الحكومية أيضاً تأثيرها السلبي العام بعد أن تُركت صحيفة "جمهوريت" وحيدة في انتقادها لأردوغان وحزبه الحاكم. وكانت الصحيفة قد أغضبت الحكومة بتشبيهها حملة تطهيرها عشرات الآلاف من الموظفين، والشرطة، والعسكريين، والأكاديميين، والإعلاميين في أعقاب المحاولة الانقلابية بأنها " مطاردة سحَرة"، وبانتقادها سياسة الحكومة فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني الانفصالي. كما أنها أربكت الحكومة بإشارتها إلى أن مصلحة المخابرات القومية كانت تهرّب الأسلحة في سوريا إلى المتمردين على نظام بشار الأسد تحت غطاء المساعدة الإنسانية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

تقرير أمريكي: ترامب يشترط بقاء التعاون الأمني مع العراق بحل الفصائل

تقرير أمريكي: ترامب يشترط بقاء التعاون الأمني مع العراق بحل الفصائل

متابعة/ المدى أفادت تقارير صحفية أمريكية، بأن العراق قد يتعرض إلى خسارة التعاون الأمن مع إدارة ترامب، في حال فشلت بغداد في حل فصائل المقاومة.تقرير “فوكس نيوز”، الأمريكية أشار وفق خبراء في شؤون الشرق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram