قبل عدة سنوات التقت الصحفية سوزي هانسن مع رجل عراقي وسألته كيف كان حال العراق في الثمانينيات والتسعينيات. فاجابها "أنا أندهش دائما عندما يوجه لي الأميركيون هذا السؤال"، ، و أضاف قائلا "كيف لا تعرفون شيئا عنا بينما فعلتوا
قبل عدة سنوات التقت الصحفية سوزي هانسن مع رجل عراقي وسألته كيف كان حال العراق في الثمانينيات والتسعينيات. فاجابها "أنا أندهش دائما عندما يوجه لي الأميركيون هذا السؤال"، ، و أضاف قائلا "كيف لا تعرفون شيئا عنا بينما فعلتوا الكثير في حياتنا؟"
واجهت هانسن هذا السؤال أكثر من مرة بعد انتقالها إلى اسطنبول في عام 2007 وعند قيامها بالسفر الى اماكن عدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وتقدم إجابتها في شكل كتاب جديد بعنوان ، ملاحظات في بلد أجنبي: رحلة شخص اميركي الى الخارج في عالم ما بعد أميركا. وهي تجمع في كتابها بين التاريخ المضطرب لتدخلات أمريكا في المنطقة؛ وتقديم بيانات دقيقة عن رؤية المواطنين في تركيا وجيرانها للولايات المتحدة اليوم؛ وهي تشرح بصعوبة كيف حدث، ان تكون وهي الصحفية المتعلمة ، بمثل هذا القدر من الجهل لدور بلدها في إعادة تشكيل عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
لم يكن لدى هانسن علاقة خاصة تجمعها بتركيا عندما انتقلت إلى هناك بعد أن حصلت على زمالة في فن الكتابة من معهد الشؤون العالمية. اختارت اسطنبول لأنها كانت مهتمة بالتعرف على حقيقة الإسلام في أعقاب هجمات 11 ايلول. لقد اعتبر الغرب الجمهورية التركية العلمانية، التي تأسست في عام 1923، كنموذج للعالم الإسلامي. كما ان حقيقة أن الكاتب المفضل لها، جيمس بالدوين، الذي عاش في اسطنبول في ستينيات القرن العشرين ، وكان يشعر براحة أكثر مما كان يشعر به في نيويورك أو باريس، قد أسر خيالها.
استطاعت اسطنبول على الفور تحدي توقعاتها - صدمت من واقع كم كان مطارها أفضل من ذلك الذي غادرت منه من نيويورك. وتعترف قائلة "كانت تستحوذ على عقلي فكرة عن دونية الشرق دون أن أكون قد عرفته حتى تلك اللحظة "، "، وافضليته النسبية هزت قناعاتي السابقة ". وقد اصيبت هانسن بالصدمة أكثر عندما كان يشرح لها الأتراك في احاديثهم اليومية حول كيف ساعدت السياسة الخارجية الأميركية في الحرب الباردة، وتحديدا المساعدات العسكرية والاقتصادية المقدمة كجزء من عقيدة ترومان لاحتواء التوسع السوفياتي، على تشكيل الأوضاع السياسية الراهنة في البلاد. وقالت: "الأميركيون مندهشون من علاقة بلادهم مع البلدان الأخرى لأننا لا نعترف بأن أميركا امبراطورية". "من المستحيل أن تفهم علاقة ما إذا كنت لا تعرف أنك أحد أطرافها".
هانسن تكتب بثقة وتواضع، وأحيانا، بجمال لاذع . وتقول إن الشعور بمعاداة أميركا الذي واجهته أثناء سفرها جعلها "تشعر بالحزن ، وتأخذ موقفا دفاعيا، تجاه علاقة يمتد تاريخها الى اكثر من مئة عام، الشيء المحير فيها أن قوة هائلة تسيطر على حياتك، ولكنها لا تعرفك أو تحبك". وإن أقوى مقاطع الكتاب تنطوي على بحث صارم لمفهوم التميز الأميركي،. وتكتب عن ذلك قائلة "ان التميز الاميركي لم يجعل من الولايات المتحدة دولة ذات خصوصية بالنسبة لدول اقل منها فقط، بل جعلت جميع الاميركيين يعتقدون بانهم ولدوا ايضا متفوقين على الاخرين". "كان هذا هو السبب وراء التعصب العنصري، ووراء التحيز، و الجهل. كان هذا نوعا مخفيا من القومية حتى أنني لم أكن أعرف أنه يمكن ان نسميها بالقومية؛ وكان هذا نوعا من الوهم الذاتي بشكل كامل بحيث لا أستطيع أن أعرف من اين بدأ وأين انتهى، وهما لا يمكن استئصاله ، ولا يمكن محوه. "
ومن الأشياء الرائعة في الكتاب هو تطور فهم المؤلفة للاشياء و على الرغم من إيمانها بموضوعيتها الصحفية، فان الأساطير التي استوعبتها أثرت على الطريقة التي روت بها القصص من جميع أنحاء العالم. استمرت هانسن بالعيش في اسطنبول، وكانت ترسل التقارير الصحفية عن تركيا لحساب نيويورك تايمز. هناك بالطبع الكثير الذي تكتب عنه: في أعقاب الانقلاب الفاشل في الصيف الماضي، قام الرئيس المحافظ ، رجب طيب أردوغان، بشن حملة وحشية ضد خصومه السياسيين، وسلط الضوء على التناقضات العديدة في البلاد، بين العلمانية والإسلاموية، والديمقراطية والاستبداد. وفي عصرنا الحالي ، يتهم الصحفيون بقيامهم بنشر "أخبار ملفقة" (وربما لا يغيب عن البال أن أولئك الذين يشتركون في هذا الاعتقاد لن يجدوا إلا القليل من الإعجاب في كتاب من تأليف صحفية تفترض مسبقا أن أميركا دخلت طور انحدارها). كتاب "ملاحظات حول بلد أجنبي" هو شهادة على شجاعة أحد الصحفيين في كشف أعماق دواخل ذاتها لفهم القصة الحقيقية والتأكد من أنها تحصل على الحقيقة.
عن كريستيان ساينس مونيتور