يعتبر جون لويد واحدا من الصحفيين الذين يتمتعون بنظرة ثاقبة للغاية في بريطانيا، كما يمكن ان يشهد بذلك أي شخص يتذكر سنوات عمله في موسكو مراسلا لصحيفة فايننشيال تايمز. ويعمل حاليا ، باحث بارز في معهد رويترز بجامعة أكسفورد. لذلك عندما يشرع في
يعتبر جون لويد واحدا من الصحفيين الذين يتمتعون بنظرة ثاقبة للغاية في بريطانيا، كما يمكن ان يشهد بذلك أي شخص يتذكر سنوات عمله في موسكو مراسلا لصحيفة فايننشيال تايمز. ويعمل حاليا ، باحث بارز في معهد رويترز بجامعة أكسفورد. لذلك عندما يشرع في تأليف كتاب عن "المعركة العالمية للحصول على الأخبار والمعلومات"، فانه الشخص المثالي المناسب تماما لهذه المهمة.
يربط جون لويد بشكل حتمي بين حرية الصحافة والديمقراطية ذاتها. فبدون وجود وسائل إعلام مستقلة تقوم بعمل فعال، لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية حقيقية. ولكن يمكن ملاحظة كيف يتنامى قمع الصحافة - مع غياب أي نموذج مستقر للتمويل عبر الإنترنت – ويتم إسكات أو إفقار غرف الأخبار في جميع أنحاء العالم.
يبدأ المؤلف كتابه مع الصين حيث يقدم الرئيس شي جين بينغ نسخة حديثة من الحكم الماوي القديم. مشيرا الى انه "يجب ان نواصل السير بثبات على مبدأ ان يدير الحزب وسائل الاعلام والاشراف على سياسة المطبوعات والقنوات التلفزيونية والمواقع الاخبارية".
على مدى سنوات قليلة في عقد التسعينيات، بدأت الصحافة الاستقصائية تلقى رواجا . كان هناك شعور بالتحدي والتحرر الوشيك. كان الرئيس الصيني ينتهج سياسة العصا والجزرة وقد خنقت الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان على الأرض حرية الصحافة. وهو الطريق الذي اتبعته روسيا بشكل صارم ، فوسائل الإعلام الحرة التي نمت عشوائيا في عهد يلتسين، تم تقييد حريتها خلال سنوات بوتين.
هل هناك أمل؟ لقد بزغ هذا الأمل خلال ثورات الربيع العربي لكنه سرعان ما خبا. المصريون، الذين كانوا مرعوبين من جماعة الإخوان المسلمين قبلوا بحكم العسكر من جديد، فقد ساندوا المشير السيسي الذي يقود الآن - مع السعوديين – حملة لإغلاق قناة الجزيرة وخنق الاصوات الإعلامية المعارضة. يعمل السيسي (وهذه الكلمات مقتبسة من أحد الصحفيين الذين يعيشون في القاهرة) من خلال "قطاع خاص يرتبط إلى حد كبير بالنظام الذي يقيد طبيعة" وسائل الإعلام المستقلة ". اما الانقلاب الفاشل في تركيا الذي كانت قد سبقته ستراتيجية الرئيس أردوغان لقمع الصحافة في تركيا التي كان ينفذها بهدوء قبل حدوثه منح الرئيس غطاء شرعيا لاسكات مئات الاصوات التي تنتقده في الصحافة.
في بعض الأحيان –كما في إثيوبيا، على سبيل المثال - هناك بعض من المرونة نحو الصحافة التي عانت من قبل. وفي بعض الأحيان - في المملكة العربية السعودية مثلا - يبدو أن الصحافة اصبحت مهتمة " بتوفير النصوص المعاصرة للمثل الاخلاقية اكثر من اهتمامها بتقديم وصف للأحداث". فاصبحت متقلبة، مملة وفاشلة . في بعض الحالات - وبشكل متزايد في الهند – فان الصداقة الحميمة لوسائل الاعلام مع الشركات جعلها تغض النظر عن حالات الفساد المتزايد.و احيانا - كما هو الحال في المكسيك - يتم قتل الصحفيين والمحررين بوحشية حيث تدافع عصابات المخدرات عن نشاطاتها ومناطق نفوذها. وهناك ايضا - كما هو الحال في جنوب أفريقيا - تنمو الآمال المشرقة التي ايقظها التحرر من الفصل العنصري في خضم صراع معقد على السلطة.
لويد لا يصف فقط محنة الصحفيين الاحرار في بلدان مثل هذه. بل يذهب إلى هناك ويتحدث إليهم. وهو يشير الى حدوث أزمة متزايدة تدل على أن الديمقراطية نفسها تضعف بسبب الهجمات التي تتعرض اليها . وكثيرا ما يتم تحليل البلدان الواقعة على خط المواجهة لحرية وسائل الإعلام بشكل مباشر، مع الفروق الدقيقة والشعور بالحس التاريخي. وهي تمثل منطقة المعركة، وجوهر الكفاح من أجل حرية الإعلام؛ ومعاناة العديد من الصحفيين المحاصرين في هذه المعركة (سبعة صحفيين مكسيكيين قتلوا بالرصاص في الأشهر الستة الأولى من عام 2017) التي ولدت الشعور بالصدمة والرعب.
ومع ذلك، فإن أي محاولة لوضع روح جديدة وزخم جديد لعملية انتشار حرية الصحافة العالمية يجب أن تعتمد أيضا على البلدان المستقرة منذ زمن طويل، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ولكن هنا أيضا، تتعاظم التهديدات. فالحرية التي لا تستطيع أن تحافظ على نفسها ماليا، والحرية التي تقع تحت رحمة السياسيين أو أقطاب المال، والحرية التي لا تملك مستقبلا مستقرا في عصر الاضطراب الرقمي، هي أيضا حرية مأزومة أيضا. و، بشكل ملحوظ، فان المؤلف يكتب من وحي تجربته الخاصة وليس كمراسل، أن كتابه يطرح الاسئلة دون أن يقدم أجوبة عليها. .شهدت السنوات الخمسين الماضية، حسب رأي لويد، تراجعا كبيرا في معايير الصحافة البريطانية.. و يخلص أيضا إلى أن "الهيئة التنظيمية التي وافقت عليها الدولة لم تفعل شيئأ على الإطلاق". متمنيا السماح للجيل القادم من الصحفيين "بإعادة جعل الصحف شيئا يستحقه القراء". في هذا العمل يحلل، واحد من أبرز الصحفيين البريطانيين والمعلقين للمرة الأولى حالة الصحافة في جميع أنحاء العالم.
الكتاب هو رحلة طويلة تبدأ من القوة السياسية الواسعة لروبرت مردوخ واندماج التلفزيون والسياسة في إيطاليا، إلى الدور الذي لعبه الفيسبوك وتويتر في الثورات العربية والانفتاح الراديكالي الذي حفزه ويكيليكس، ونحو القوة العالمية المتنامية للعلاقات العامة و تراجع الصحافة في الغرب،و إلى وسائل الإعلام الهندية المزدهرة والصاخبة وأحيانا الفاسدة، وتزايد الثقة بالنفس في الصحافة الأفريقية، يدرس جون لويد التحولات التكنولوجية، والتغيرات السياسية، وتحولات السوق التي تمر من خلالها الصحافة في هذه الحقبة.
عن الغارديان