باتت الصدمات النفسية التي يتعرض لها الصحفيون جراء مشاهدتهم لحوادث عنيفة ومؤلمة اثناء التغطية الإخبارية للأحداث تشكل خطرا متزايدا ليس عليهم فحسب ، بل حتى لأولئك الذين لم يتواجدوا في ميدان المعارك قط. وبعد ان كان تنا
باتت الصدمات النفسية التي يتعرض لها الصحفيون جراء مشاهدتهم لحوادث عنيفة ومؤلمة اثناء التغطية الإخبارية للأحداث تشكل خطرا متزايدا ليس عليهم فحسب ، بل حتى لأولئك الذين لم يتواجدوا في ميدان المعارك قط. وبعد ان كان تناول هذا الموضوع يعتبر أمرا محرماً في غرف الأخبار، تظهر مجموعة من الأبحاث يعود تاريخها إلى عقدين من السنين تقريبا أن الصحفيين يمكن أن يشعروا بآثار نفسية سلبية من عملهم في مناطق النزاع.
فالصحفيون الذين يختارون تغطية الحروب والثورات والكوارث هم في معظمهم متكيفون نفسيا. ولكن هناك بعض الذين يستسلمون عاطفيا للأهوال التي شهدوها.
وتظهر البيانات الآن أن الصحفيين في الخطوط الأمامية سجلوا معدلات عالية من حالات اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب واضطرابات القلق وتعاطي المخدرات بشكل اكبر بكثير بالمقارنة مع الصحفيين الذين يغطون الاحداث المحلية والذين لا يسافرون إلى أماكن خطرة.
وبناء على ذلك، غيرت المؤسسات الإخبارية نهجها في رعاية موظفيها، معترفة بأن عليها مسؤولية أخلاقية لضمان الرفاه البدني والنفسي لأولئك الذين يرسلون لتغطية الصراع.
ولكن مع تطور وسائل الإعلام، تتغير المخاطر أيضا. ومن الظواهر الجديدة الضغوط التي يتعرض لها بعض الصحفيين بسبب المواد التي ينشرها المستخدمون العاديون ويدور الحديث هنا حول الصور والمواد الفيديوية، التي غالبا ما تكون عنيفة، والتي يرسلها الناس العاديون في الشارع إلى غرف الأخبار ويمكن للمواطنين في أخطر الأماكن في العالم - مثل سوريا وأفغانستان والصومال واليمن - أن يرسلوا الآن صوراً حية من الفظائع إلى وسائل الإعلام الغربية. وتحدث نفس الظاهرة مع أحداث جرت في بلدان مستقرة: فقد رافقت الهجمات الإرهابية في المملكة المتحدة وأوروبا وأمريكا الشمالية قدرا هائلا من التغطية الإعلامية المحلية من المواطنين العاديين، وهو ما أخذ طريقه أيضا إلى المؤسسات الإخبارية. ويتزايد حجم المواد المصورة التي تصل وسائل الإعلام الآن ويتم تكليف الصحفيين خصيصا بفحصها - والكثير منها يتسم بالعنف الشديد جدا بالنسبة للمشاهدين. وهذا الامر يثير التساؤل: كيف يتصرف الصحفيون الذين يفحصون هذه المواد نفسيا؟ ومؤخرا تناولت هذه المشكلة المحتملة دراسة نشرت نتائجها في مجلة الجمعية الملكية للطب المفتوح. وشاركت منظمتان إخباريتان غربيتان كبيرتان فيها . وتم تقييم أداء أكثر من 100 صحفي يتعاملون مع المواد التي يرسلها المستخدمون العاديون من خلال مجموعة من المؤشرات التي تقيس الرفاه النفسي. وأظهرت نتائج الدراسة أن معظم الصحفيين الذين يتعاملون مع هذه المواد هم مستقرون عاطفيا بشكل جيد. ومع ذلك، ما تزال هناك أقلية تكافح من أجل نسيان هذه الصور من العنف في نهاية اليوم. وهناك صحافيون ما يزالون يسترجعون ذكريات غير مرغوب فيها لما شاهدوه في شاشات اجهزة الفحص بين الجدران الآمنة لمكاتبهم. هذه الصور يمكن أن تلاحقهم في الأحلام. وربما تؤدي الى حدوث عمليات رد فعل سلبية. ويمكن أن تسبب هذه التجارب إزعاجا عميقا للصحفيين وتؤدي إلى صعوبة في النوم، والتهيج، وضعف التركيز، والشعور بانعدام الأمن الشخصي. وردا على هذه المشاعر، قد يبذل الصحفيون جهدا من أجل التخلص من ذكريات الصورة الصادمة. وقد تنهار مشاعر الصحفي عن طريق مشاهدة مجموعة من الفظائع التي لا نهاية لها. هذا الانقطاع العاطفي، الذي ينظر إليه على أنه دفاع، قد يكون له عواقب سلبية على العلاقات الشخصية. وفي حين أظهرت الدراسة أن الصحفيين الذين يتعاملون مع المواد التي يرسلها المستخدمون العاديون يمكن أن يتأثروا عاطفيا بعملهم، فمن المهم الحفاظ على الإحساس بسعة الأفق. ومستوى الضيق الذي يعاني منه الصحفيون الذين يجلسون في مكتب آمن وهم يقومون بهذا العمل هو في المتوسط أقل بكثير من المعدل الذي يعانيه الصحفيون في الخطوط الأمامية لمناطق الحروب. ومع ذلك، فإن الأعراض الأساسية متشابهة.
وأمام المؤسسات الإخبارية الآن تحديا جديدا: كيفية رعاية الصحة النفسية للموظفين الذين يقضون ساعات طويلة يوميا يستعرضون المواد البصرية التي تحتوي على مشاهد بشعة وعنيفة
الحل ليس سهلا كما هو واضح. وأظهرت عدة بيانات أن الصحفيين الذين تعرضوا بشكل دائمي ومتكرر الى لقطات من صور العنف كانوا أكثر عرضة للتأثر نفسيا من أولئك الذين جلسوا لفترات طويلة وهم يقومون بهذا النوع من العمل.
وهذا يشير إلى أن أولئك الذين شاهدوا مناظر العنف لفترات طويلة اعتادوا على ما كانوا يشاهدون. في حين أن هذا قد يكون مؤلما على المدى القصير،و غير معروف بعد تأثير التعود والاحباط اللاواعي على الاستجابة العاطفية في بيئة اجتماعية بعيدة عن اماكن العمل.
وبالنظر إلى أن هناك الآن مناطق في العالم محظورة على الصحفيين الغربيين، فإن المؤسسات الإخبارية تعتمد بشكل متزايد على الأخبار التي تأتيها من الاشخاص المستقلين والناس العاديين من الصعوبة تشذيب صور العنف ، ولكن من المحتمل أن تكون أقل ضررا على الصحة النفسية من تلك المطلوب فحصها.و أفضل طريقة للقيام بذلك هي اخضاعها للبحث المستمر.
ومثلما واجهت المؤسسات الإخبارية مسؤولية أخلاقية في الماضي لرعاية الصحفيين على خط المواجهة، فالآن وقد ارتفع مستوى التحديات إلى حد كبير ، تزداد الحاجة إلى التزام مماثل لأولئك الذين يكلفون بالعمل مع المواد التي يرسلها الاشخاص العاديون . ومن الواضح أن الحاجة الى مثل هذه المواد لن تتوقف
عن موقع كونفيرسيشين