جمعتني قبل اكثر من عام مناسبة مع صحفيين وإعلاميين بارزين في دولة خليجية. استغل الجمع وجود عراقي بينهم ليسألوه عن حقيقة ما يجري في بلاد يسمعون عنها في الصحافة العربية ولم يكتب لهم زيارتها والاطلاع على تحولاتها بعد ٢٠٠٣.
كان الحضور خليطاً من شخصيات عربية واخرى خليجية، وتركز الحوار على داعش والحشد الشعبي وفتوى المرجعية، والنفوذ الايراني، وقد كتبت عن ذلك في عمود سابق عنوانه ( عربي يسأل وعراقي يجيب).
وخلافا للاعلاميين العرب الذين كانوا اكثر تفهما وتعاطفا مع محنة العراق، كان الجلساء الخليجيون، وهم اعلاميون مكرسون طبعا، يسألون عن صحة اعتماد اللغة الفارسية في المخاطبات الحكومية، وتداول التومان الايراني بدلا من الدينار العراقي في المحافظات الجنوبية.
انطلاقا من ايرانفوبيا تسيطر على عقول النخبة الخليجية، كان يسألني الصحفيان عن حجم نفوذ "المرجع العربي" محمود الصرخي وامكانية منافسته للمرجع الاعلى السيستاني، الذي كانوا يرون ان فتواه لمواجهة داعش اسهمت بتعزيز النفوذ الايراني وحولته الى احتلال فعلي من خلال تأسيس الحشد الشعبي.
واصلت الاستماع لتساؤلات الزميلين حول زعيم التيار الصدري بوصفه مرجعية دينية ومدى صدقية توجهاته العروبية وقدرته على تحييد المرجعية الفارسية في النجف، ومشروع ولاية الفقيه الايرانية.
كان الحوار ينطلق من مسلمات وليس معطيات قابلة للنقاش بالنسبة للزملاء الاعلاميين. ولكم ان تتخيلوا صعوبة تبديد مثل هذه النظرة النمطية للاوضاع في العراق التي تشكلت خلال عقود، وانت مطالب بتغييرها خلال جلسة واحدة!
تفاجأ الحضور ان الصرخي، الذي يحظى بحضور لافت ومكثف في الاعلام الخليجي، ليس مرجعا ولا يملك تأثيرا على الساحة السياسية والدينية في العراق، قياسا بالمرجع السيستاني الذي يدعم الدولة ومؤسساتها رغم اصوله غير العراقية كما يتحدثون.
زاد العجب عندما علموا ان الصدر زعيم سياسي وليس مرجعا دينيا، وان توجهاته لا تتعارض مع توجهات المرجعية العليا في النجف.
ومن باب المشاكسة اشرت الى ان الصدر محسوب ضمن المدارس الفقهية الشيعية التي تؤمن بولاية الفقيه، وقد كان والده الراحل يحمل هذا العنوان رغم اختلافه مع ولاية الفقية بنسختها الايرانية، وهو بالتالي لايمكن ان يكون ضدا نوعيا.
ساد الوجوم وقتها على ملامح الحضور وهم يستمعون لاول مرة لمعطيات تقوض نظرتهم النمطية عن العراق، وهم نجوم معروفون.
من هذا الفهم يمكن مقاربة الانفتاح الخليجي الاخير على العراق والتعامل معه وفق سياقه الطبيعي لو اردنا تكوين رؤية واقعية لعلاقاتنا مع الجوار الخليجي.
في البداية نحتاج ان نبدد الصورة النمطية الخليجية عن العراق، التي راكمتها اعوام التحريض الطائفي والمقاطعة السياسية العربية لنظام ما بعد صدام حسين.
فلا يمكن الحديث عن تطبيع علاقات وانفتاح حقيقي في وقت ما زالت بعض العواصم الخليجية تعتقد بان العراق مستعمرة ايرانية يتحكم بمقدراتها السفير الايراني، وان الحل الوحيد لمواجهة نفوذ ايران يتمثل بنقل الحرب الى ساحتها الداخلية، كما صرح بذلك ولي العهد السعودي. والعراق ابرز الساحات المرشحة لهذه المواجهة.
حتى الآن، ورغم تبادل الزيارات على اعلى المستويات، لايبدو ان الانفتاح الخليجي على العراق ينطلق من مراجعة جذرية لعلاقة معقدة وشائكة. كما لايبدو ان الهدف من حفاوات الاستقبال والاجواء الايجابية في الرياض وجدة هو استعادة شقيق كبير تم التفريط به وبشعبه وترك لوحده يقاتل الارهاب وفتاوى التفكير وجيوش الانتحاريين، بقدر كون الهدف لا يتعدى كونه محاولة في لعبة الاصطفافات الاقليمية الجارية حاليا.
إخوتنا الخليجيون مطالبون بترديد قصيدة سهراب سبهري، الشاعر الايراني، الذي كتب قبل عقود:
افتحوا المظللات... اشرعوا الشبابيك
اغسلوا العيون… وانظروا بطريقة مختلفة!
العراق بعيون خليجية
[post-views]
نشر في: 16 أغسطس, 2017: 06:48 م