بماذا سنشعر، وكيف سنفكر، حين نعرف أن مجموعة من المنظمات الثقافية الألمانية في برلين تحتفي بفناننا المبدع منصور البكري، تحتفل به وتعطيه بعضاً من حقه وتشير الى ابداعه الجميل وحضور رسوماته التي تداعب المشاعر وتدخل الروح بعذوبة تنفيذها وتقنيتها المميزة وأسلوبها الخاص بالبكري، والذي لا تخطأه العين. نعم، لقد عاد منصور في الايام الماضية منصوراً من المغرب الى برلين وهو يحمل جائزتين حصلت عليهما رسوماته في مسابقة المغرب الدولية للكاريكاتير، حيث حصل على الجائزة الاولى في رسم البورتريت، وكذلك حصل عمله الذي رسمه عن افريقيا على جائزة اخرى من جوائز المهرجان. منصور لم يمثل ألمانيا في المهرجان، ورغم ذلك احتفوا به وأشاروا الى جمال وحضور رسومه وابداعه، هو الذي مثل العراق في المهرجان، نعم العراق الذي لم يشر الى فوزه سوى بخبر صغير كتبه مشكوراً فناننا المبدع علي المندلاوي. لقد ساهم في المهرجان ٣٨٠ رساماً من ٧٦ بلداً من ضمنها ١٥ بلداً عربياً. وكل البلدان كانت تنتظر انطباعات جيدة حول فنانيها ونتائج مميزة لهم، إلا العراق الذي لم ينتظر شيئاً على ما يبدو سوى أن يَعِدَّ سرقات السياسيين والمشاكل التي أغرقوا فيها البلد، هؤلاء الذين جعلوا أسم العراق مع الأسف مرادفاً للطائفية والفساد والقتل، ليأتي فنان من بعيد ويمسح غبار القبح الذي وضعه هؤلاء على صورة بلدنا، ويعكس صورة أخرى، صورة جميلة وناصعة وملونة، يأتي فنان حالم مثل منصور ليقدم للعالم معادلاً جمالياً لدخان الحروب والازمات التي تعصف بالبلد.
وبعد ما قدَّمَهُ منصور تحتفل به برلين وتشير الى حضور فنه. لكن في الجهة الأخرى من المعمورة، فالصمت بَقِيَ سيد الموقف في الاعلام العراقي حول هذا النجاح، ومع هذا الصمت نرى النياشين والدروع والميداليات والأنواط توزع كماء السبيل لأشخاص يبدون مثل عابري سبيل في الثقافة والابداع! جوائز وميداليات توزع لأسماء لم نسمع بها من قبل، في حين تغلق النوافذ امام الأسماء التي تشير الى فننا وإبداعنا العراقي في المحافل الدولية، وهذا حدث مع الكثيرين ايضاً، كما حدث مع كاتب هذه السطور، حين حصلت قبل بضعة أشهر على الجائزة الذهبية في بينالي الكويت ولم يشر أحد الى الخبر، ماعدا جريدة "المدى" التي نشرت خبراً عن الموضوع، وقد احتفى بي التلفزيون الهولندي والصحافة الهولندية بشكل كبير رغم اني قد مثلت العراق في البينالي ولم امثل هولندا!!
نعود الى فناننا منصور، الذي طبعت إدارة مهرجان المغرب صورة عمله الفائز لتمنحها كلوحة تذكارية للفنانين المشاركين، تقديراً لفنه ومكانةِ ابداعه، هو الذي خلط ألوانه بكل محبة مع اسم العراق في مدينة اكادير، وسط فنانين من مختلف العالم، جاءوا فرحين بخطواتهم الملونة الى المهرجان، لكن فناننا منصور سبق خطواتهم بألوانه وتعدى اعمالهم بموهبته الفذة، ليكون في المقدمة ويعود الى مرسمه البرليني حاملاً طعم مشاركة جميلة وتفوق مستحق.
شارك منصور بعملين في المهرجان، العمل الأول رسم فيه بورتريت للفنان المغربي ابراهيم لمهادي، بتقنية مدهشة مزج فيها معالجاته وأسلوبه مع شخصية الفنان لمهادي، وكانت النتيجة تحفة فنية حصل من خلالها على الجائزة الأولى، والعمل الثاني كان ضمن مواضيع المهرجان التي تحتفي بأفريقيا، حيث رسم منصور طفلاً أفريقياً جائعاً، يَمِّدُ صحنه الفارغ طلباً للطعام، فيبادر العالم الرأسمالي المتسلط برمي قطعة سلاح في الصحن بدلاً من الطعام، ويختصر هذا الرسم الذي حصل على جائزة اخرى في المهرجان، الحالة الكاملة في افريقيا، التي تتقاذفها المشاكل والحروب، واغلب ناسها جياع. ليبقى هذا العالم (الغربي) الذي مثله منصور بشخص أشقر، متفرجاً بعد أن استعبد الناس وأخذ كل خيراتهم،. مع هذا لا يعطيهم غير الأسلحة التي يقتلون بها بعضهم. تحية لمنصور ولفنه وروحه العراقية المبدعة، ومحبة له وهو يفتح لنا نوافذ البهجة ويرفع علمنا العراقي وسط سماء صافية ومليئة بالجمال والأمل.
منصور وخطواته الملوّنة
[post-views]
نشر في: 18 أغسطس, 2017: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
الدكتور نزار محمود
تحية محبة وفخر وتهنئة بفناننا المبدع منصور البكري الذي عشنا رحلة عطائه الطويلة والمستمرة تطوراً وإثراء. نقول لمنصور: لقد فازت ريشتك التي سكبت إحساسك وطبعت ما تحلم به وتتمناه في إبداعات الناس وهموم البشر مبروك لك ولنا فوزك زميلك د نزار محمود مدير المعه