لم يخطر ببال منتسبي مستشفى الحسين التعليمي في ذي قار أن تبلغ حالات التعدي على المؤسسات الصحية والممرضين والأطباء الى مستوى استخدام رمانة يدوية هجومية من قبل أحد المراجعين للمستشفى المذكور، فالمشفى الذي يستقبل يومياً ما بين ألفين الى ثلاثة آلاف مريض و
لم يخطر ببال منتسبي مستشفى الحسين التعليمي في ذي قار أن تبلغ حالات التعدي على المؤسسات الصحية والممرضين والأطباء الى مستوى استخدام رمانة يدوية هجومية من قبل أحد المراجعين للمستشفى المذكور، فالمشفى الذي يستقبل يومياً ما بين ألفين الى ثلاثة آلاف مريض ومراجع، عادةً ما يشهد حالات شجار أو تلاسن وأحياناً ضرباً وتبادل اللكمات ما بين المراجعين والمنتسبين ولاسيما في شعبة الطوارئ التي تستقبل الحالات المرضية الحرجة والحوادث المرورية وضحايا الجرائم الجنائية والعمليات الإرهابية. في ذات الوقت تواجه المحافظة التي تضم اكثـر من مليوني نسمة، جملة من المشاكل في القطاع الصحي لاسيما في مجال نقص الأدوية والعقاقير الطبية والعجز الحاد في الغطاء السريري في مستشفياتها حيث لا يتوفر سوى 1500 سرير من أصل 6000 سرير تحتاجها محافظة ذي قار فعلياً.
اعتداءات متكررة وبيئة طاردة
يقول نقيب الأطباء في ذي قار الدكتور عبد الحسن النيازي عن تكرار حالات الاعتداء على الأطباء والمؤسسات الصحية في حديث لـ(المدى) إن البيئة التي يعمل فيها أطباء العراق وأطباء محافظة ذي قار بصورة خاصة، أصبحت بيئة طاردة وغير ملائمة لعمل الأطباء نتيجة ما يتعرضون له من ضغوطات كبيرة ناجمة من عدم توفر وسائل العمل والادوية المطلوبة لعلاج المرضى والتجاوزات والاعتداء على الكوادر الطبية، فضلاً عن الكوامة العشائرية. مشيراً الى تعرض الأطباء والعاملين في المؤسسات الصحية في محافظة ذي قار الى ست حالات تجاوز و(8) حالات كوامة عشائرية خلال الفترة الماضية، كان آخرها هجوم برمّانة يدوية هجومية على مستشفى الحسين التعليمي من قبل أحد المراجعين.
وينوّه النيازي الى حادث آخر تعرض له طبيب يعمل في مركز الناصرية للقلب، إذ جرى الاعتداء عليه بالضرب اثناء انتقاله من مركز القلب الى مستشفى الحسين، مؤكداً: أن المتهم بالاعتداء مازال حراً طليقاً ولم يجرِ القبض عليه حتى الآن من قبل الشرطة المحلية. مشيراً الى تعرض العديد من الأطباء للتجاوز من قبل المراجعين سواء من خلال الكلام الجارح أو التعدي بالضرب أو عبر حملات ومنشورات في الفيس بوك تستهدف الأطباء، فضلاً عن الكوامة العشائرية وغير ذلك من الأفعال التي تتسبب بالمزيد من الاحباط لدى الاطباء وتجعلهم لا يعملون بكامل طاقتهم خشية من التعرض للمزيد من التجاوزات. وأوضح نقيب الأطباء أسباب تكرار التجاوزات على الأطباء قائلاً: إن المشاكل الحاصلة بين المراجع والطبيب ناجمة في معظمها من النقص الحاصل في الأدوية والمستلزمات الطبية والعلاجية. مشدداً: فبعض المراجعين يُحمّلون الطبيب مسؤولية ذلك في حين أن الطبيب هو موظف مهمته تشخيص الحالة المرضية وتحديد نوع العلاج وهو جزء من منظومة صحية ينبغي لها أن تتكامل لتؤدي دورها بصورة صحيحة ولا يصح أن ينصب اللوم على الطبيب فقط .
كوامة عشائرية تهجر الكفاءات والخبرات
وأكد النيازي: أن الخلل الحاصل في تقديم الخدمات الصحية يعود للنظام الصحي المعتمد وعدم توفر مستلزمات العمل المطلوبة. منوهاً الى أن نقابة الأطباء سبق وأن ناشدت وزارة الصحة والجهات المعنية الأخرى لتلافي الخلل، لكن من دون تحقيق النتائج المرجوة. مشيراً الى أن عدم توفر البيئة المناسبة لعمل الاطباء دفع بعدد منهم الى التفكير بالهجرة وترك العمل الوظيفي بالمؤسسات الصحية وهو ما سيضر بالمريض نفسه أكثر من تسببه بالضرر للطبيب. وعن انعكاسات الكوامة العشائرية قال النيازي إن: الكوامة العشائرية أثرت بصورة سلبية في عمل الأطباء، حيث بات بعضهم يتجنبون إجراء العمليات المعقدة والتي تشكّل فيها الخطورة نسبة كبيرة على حياة المريض وذلك لتجنب المشاكل ومنها الكوامة العشائرية التي أخذت تبتز الطبيب وتتقاطع مع مهمته الانسانية. لافتاً الى أن ذوي المريض للأسف، لا يفرقون بين المضاعفات الناجمة عن التداخل الجراحي وهي أمور واردة وطبيعية علمياً وبين الخطأ الطبي المقصود. مشيراً الى أن الأخطاء الطبية المقصودة والمخالفات لها عقوبات محددة وفق ضوابط نقابة الأطباء تبدأ بالإنذار وتنتهي بسحب الاعتراف بممارسة المهنة ومنعه عن العمل.
فيما نوّه د. ميثم حسن الى صعوبة عمل الكوادر الطبية في مثل هكذا اجواء متشنجة طاردة للكفاءات. مشيراً الى اهمية توفير الحماية اللازمة لهذه الكوادر إن كان بتشريع قانون أو فرض تعليمات على مراجعي المستشفيات الحكومية. مؤكداً: انه وغيره من الأطباء العاملين في اقسام الطوارئ يعانون ضغطاً متزايداً من تزايد حالات الاعتداء إن كان اللفظي أو اليدوي.
فيما شكك د. ازهر محمد بأي اجراءات عقابية تطول المعتدين على الكوادر الطبية. عازياً ذلك الى تدخل عدة اطراف بهذا الأمر من بينها شخصيات دينية وعشائرية، لاتهتم لتطبيق القانون بقدر اهتمامها بمعالجة الموضوع بشكل وقتي وعلى حساب الطبيب طبعاً. منوّهاً الى اهمية وضع قانون أو تعليمات يتم بموجبه مراجعة المستشفيات والمراكز الصحية.
ثلاثة آلاف مريض ومراجع يومياً
في إثر الاعتداءات المتكررة، نظّم العشرات من منتسبي مستشفى الحسين التعليمي في الناصرية، يوم الثلاثاء (15 آب 2018) وقفة احتجاجية في داخل المستشفى لاستنكار تكرار حالات الاعتداء على الملاكات الطبية والتمريضية والمؤسسات الصحية وذلك إثر محاولة لمهاجمة المستشفى برمانة يدوية من قبل شخص يدّعي انتسابه للحشد الشعبي، جرى اعتقاله من قبل القوات الأمنية في المستشفى المذكور. وقال قائد شرطة ذي قار اللواء حسن الزيدي في حديث لـ(المدى)، إن القوات الأمنية تمكنت من اعتقال شخص في داخل مستشفى الحسين التعليمي وضبطت بحوزته رمانة يدوية كان يحاول أن يهاجم فيها استعلامات المستشفى بعد منعه من مواجهة والده الراقد في احدى ردهات المستشفى. وأكد قائد الشرطة إحالة المعتقل الى التحقيق بعد أن تم ضبطه متلبساً بالجريمة. فيما أشار في وقت لاحق من يوم الاربعاء ( 16 آب 2017 )، الى توقيف المتهم بمهاجمة المستشفى وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب.
مدير إعلام مستشفى الحسين التعليمي في الناصرية محمد حسين نايف بيّن لـ(المدى) أن: اسباب المشاكل الحاصلة بين المراجعين ومنتسبي المؤسسات الصحية تعود الى الزخم الكبير من المراجعين والمرضى الذين تقدّر اعدادهم ما بين ألفين الى ثلاثة آلاف مراجع ومريض يومياً في مستشفى الحسين وحده الذي يعد المشفى الأكبر في المحافظة.
لافتاً الى أن أكثر المشاكل تحصل في شعبة الطوارئ بالمستشفى التي تستقبل عادةً الحالات المرضية الطارئة والحوادث المرورية وضحايا المشاجرات والعمليات الإجرامية والإرهابية وغيرها من الحالات المرضية الجراحية والباطنية.
وأضاف نايف: كما أن إصرار المراجعين على زيارة المرضى خارج نطاق الأوقات المحددة للزيارة يمثل ايضاً أحد الأسباب لنشوب المشاكل بين المراجعين والمنتسبين في مستشفى الحسين ولاسيما موظفو الاستعلامات، فبعض المراجعين يأتون حتى ما بعد منتصف الليل لزيارة المريض. مبيناً: أن مواعيد زيارات المرضى المحددة رسمياً في المستشفى تكون من الساعة الثانية الى الخامسة عصراً في يومي الأحد والأربعاء . وعن عدد حالات التجاوز التي تحصل في المستشفى قال نايف: ليست هناك احصائية رسمية في عدد التجاوزات على المؤسسات الصحية ومنتسبيها، فأحياناً تحصل مثل هذه التجاوزات والمشاكل بصورة يومية ولاسيما في شعبة الطوارئ في مستشفى الحسين التعليمي.
مقترحاً: وللحدّ من هذه المشاكل ينبغي تعزيز الاجراءات الأمنية وتفعيل دور العناصر المكلفة بهذه الواجبات بما يؤمن الحماية للمستشفيات ومنتسبيها وتوعية المجتمع حول الالتزام بمواعيد الزيارات وأهمية ذلك في توفير الراحة للمريض. مشدداً على اهمية فرض رسوم مالية على المراجعين لزيارة المرضى خارج ساعات الدوام الرسمي إسوة بمحافظة النجف التي طبقت هذا الإجراء منذ نحو عامين، منوهاً الى أن تقليل زخم المراجعين من شأنه أن يعزز الخدمات الطبية والفندقية في المستشفيات ويعجّل بشفاء المرضى من خلال توفير الراحة والهدوء لهم .
مشكلات متكررة بسبب أزمات مزمنة
محافظ ذي قار يحيى الناصري٬ أكد في وقت سابق من العام الجاري، على أهمية الارتقاء بالخدمات الطبية ومعالجة حالات التجاوز الشاذة على الكوادر الطبية٬ داعياً الى تشكيل لجانٍ مشتركة من نقابة الاطباء والحكومة المحلية لمتابعة عمل الاطباء والحدّ من حالات التجاوز ووضع الحلول الناجعة لعدم تكرارها. ومن جانبه قال رئيس لجنة الصحة والبيئة في مجلس محافظة ذي قار عبد الأمير سالم مشرف لـ(المدى) إن واقع الصحة في ذي قار والمنطقة الجنوبية بصورة عامة يعاني من مشاكل في البنى التحتية المتقادمة ونقص الغطاء السريري والملاكات الطبية والتمريضية وضعف الامكانات المادية وشح الادوية التي تخصصها وزارة الصحة لتلك المحافظات. مبيناً أن المستشفيات في محافظة ذي قار وملاكاتها الطبية والتمريضية لا تغطي الحاجة الفعلية ولا تستوعب الزخم الكبير من المراجعين، وهذا ما يتسبب بجملة من المشاكل الخدمية ويؤدي الى حدوث حالات من الاحتكاك بين بعض المراجعين ومنتسبي المستشفيات من الملاكات الطبية والتمريضية.
ولفت سالم: الى أن لجنة الصحة والبيئة في مجلس المحافظة بصدد تبني عدّة قرارات للحدّ من حالات التجاوز على المؤسسات الصحية والملاكات الطبية والتمريضية من بينها تعزيز وتوسيع نطاق عمل القوات الأمنية المكلفة بحماية المستشفيات ليشمل تنظيم حركة المراجعين وانسيابيتها داخل المستشفيات وتوفير الحماية للمنتسبين، وعدم الاكتفاء بحماية ابنية المستشفيات من الخارج، مضيفاً: وكذلك فرض رسوم مالية على زيارات المرضى خارج الدوام الرسمي والمواعيد المخصصة للزيارات وذلك للحد من الزيارات وتعظيم موارد المستشفى وانفاق الأموال المستحصلة في مجال الخدمات .معرباً عن أمله بأن ترى هذه المقترحات النور قريباً".
وشدد رئيس لجنة الصحة على اهمية التصدي لحالات التجاوز والاعتداء على المؤسسات الصحية ومنتسبيها ومراعاة الحالات المرضية والنفسية والانفعالية التي يمر بها المريض أو ذووه اثناء حدوث الحالات الانسانية الطارئة والحوادث المؤسفة واحتوائها بالصورة التي لا تؤثر في عمل المؤسسات الصحية، معرباً عن قلقه من تكرار مثل هذه الحالات التي وصفها بالحالات الفردية. مشيراً الى أن وجود اعداد كبيرة من المراجعين ومرافقيهم في المستشفيات بات يربك عملها وسط نقص حاد بالإمكانات والملاكات الطبية والتمريضية وضيق المكان.
ولفت سالم: الى أن بعض أقضية ونواحي المحافظة التي يزيد عدد نفوسها على 130 ألف نسمة لم تخصص لها مستشفيات وإنما مراكز صحية فقط وهذه باتت لا تستوعب زخم المراجعين والمرضى الراقدين ما يتسبب هذه الاختناقات بالمزيد من المشاكل. داعياً وزارة الصحة الى زيادة السعة السريرية في المحافظة من خلال انشاء المزيد من المستشفيات وتوفير الخدمات لها في مركز المحافظة والأقضية والنواحي كون المحافظة تضم اكثر من مليوني نسمة وهي رابع محافظة في عدد السكان في العراق.