يقول خبراء التنمية البشرية إن على المرء ان يتسلح بالمشاعر الايجابية ليواجه يومه ، ونحاول احيانا كأناس متحضرين أن نطبق نظرياتهم العلمية فنبتسم ، لكن تناول وجبة واحدة دسمة مما تقدمه القنوات الفضائية من اخبار سياسية يكفي لتغذيتنا بكل انواع المشاعر السلبية ....فمن شعور بالخيبة والخذلان الى شعور بالاستغفال والغباء احيانا ..عدا مشاعر الخوف والاهمال واليأس المتاصلة فينا منذ سنوات ...
كيف على العراقي أن يشعر مثلا حين يكتشف فجأة ان مسلسل استجواب الوزراء والمسؤولين الذي ابتدأ به النواب موسم محاربة الفساد ومحاولات الاصلاح لم يكن سوى كذبة كبيرة استخدمتها الكتل والاحزاب عبر بعض نوابها لتضرب بها منافسيها او معاديها من الكتل والاحزاب الاخرى ، وان استجواب بعض المسؤولين خرج من اطارمحاسبته على ادائه السياسي الى كشف ملفات فساد واتهامات كان لابد للقضاء ان يضطلع بمهمة ملاحقتها واخضاع صاحبها للعقاب ، لكن تعاقب الاحداث اظهر للمواطن حقيقة الأمر الموجعة فهناك من خضع للحساب الكامل وهناك من أفلت منه عبر المساومة على سحب تواقيع النواب وبطرق رخيصة عبرت عنها النائبة هدى سجاد بقولها ان هناك بورصة لبيع وشراء التواقيع وان لكل نائب سعره الذي تحدده الجهة المعنية فهناك الغالي وهناك الرخيص وهناك مابينهما ...أية مهزلة نعيشها اذن اذا كان هذا الكلام صحيحا ؟ وكيف يمكن ان يثق المواطن بمجلس النواب ويحمله مسؤولية كشف الفاسدين بينما يملأ قيح الفساد أركانه ويزعزع كيانه ؟...
الحقيقة الموجعة الأخرى هي ان تلك الاستجوابات تخضع لمستوى العلاقة بين الكتل فاذا اتفقت على أمر ما تخف حدة السعي وراء فساد المسؤولين ، أما اذا طفت خلافاتها على السطح فسيجد أي مسؤول نفسه معرضا للجلوس على مقعد الاعتراف والدفاع عن نفسه ضد من يكيل له الاتهامات ويفتح ملفات فساده على الملأ ، واذن فالتملص من الاستجواب عن طريق شراء تواقيع النواب وضمان سكوتهم هو الطريق الأضمن في هذه الحالة لتجنب الخضوع للاستجواب او الحصول على صك البراءة وانتهاء الزوبعة قبل أن تبدأ ...كما ان من حسن حظ أي مسؤول يخضع للاستجواب ان يكون منتميا الى حزب ما لأنه سيضمن أيضا الحماية من قبل حزبه ، وستتحرك أيادي الحزب لتنقذه خشية انكشاف ملفات فساده التي ستسيء حتما الى حزبه وقد تكشف الكثير من المستور مما يمسه ، وسيكون الانقاذ في الخفاء بالتأكيد إما عن طريق شراء الذمم او التهديد او الاتفاقيات السرية وفق مبدأ (شيلني واشيلك) ..أي أجواء عقيمة إذن تلك التي تجري فيها العملية السياسية في العراق ، فكل يوم يمر يكشف للمواطن حجم الاستغفال الذي يعيشه ومدى الخيبة التي خلفتها سلوكيات المسؤولين لدرجة أفقدت الشعب الثقة في كل بادرة تصدر عنهم حتى لو كانت سليمة أو نزيهة ...ولايخفى علينا ان البضاعة الرديئة تفسد البضاعة الجيدة لووضعتا في صندوق واحد لفترة طويلة فكيف يمكن ان نميز المسؤولين النزيهين وسط كل هذه البضاعة الرديئة التي تحيط بهم وتزكم انوفنا برائحة عفنها ؟...أظنها مهمة صعبة جدا لذا لن استغرب ان تغادرنا المشاعر الايجابية ماأن تطالعنا اخبارنا السياسية وان نصبح دوما ،عرضة للخيبة والخذلان واليأس الكامل .... ..