في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، حين بداتُ أنشر ما أكتب، فوجئت بمحرر إحدى المجلات التي نشرت قصيدتي، وهو يقول لي: هل تسلمت مكافأتك؟ ثم أنني ذهبت وتسلمت مبلغاً قدره(خمسة عشر ديناراً) كانت أجرة السيارة بين بغداد والبصرة لا تتجاوز ديناراً واحداً، ووجبة الطعام بأقل من 250 فلساً واستكان الشاي بـ10 فلوس، آنذاك. أذكر، أنني تمكنت من شراء أكثر من كتاب وعلبة بقلاوة من شارع السعدون الذي قادتني خطاي فيه الى أكثر من حانة، ثم أنني عدت بعد يومين أو ثلاثة فرحاً، سعيداً،غانماً.
وفي التسعينيات حيث لم تعد مكافاة النشر تتعادل مع أجرة السيارة والفندق والمطعم كنا لجانا لأصدقائنا العرب، في الاردن وبيروت والخليج، ليساعدوننا في إيجاد فرص نشر في الصحف والمجلات حيث كانت المكافآت مجزية هناك، بما لا يقل عن الـ 100 دولار، وهو رقم صعب في معادلة العيش العراقية، وقد بلغ أسماع الحكومة أن الادباء العراقيين يعانون من قسوة الحصار عليهم، في ظل التضخم المالي وقلة الرواتب وبخس مكافات النشر في الصحف والدوريات العراقية، لذا عمدت الى ترتيب مكافآت شهرية مقطوعة، شملت غالبية الادباء والفنانين والصحفيين وتم تصنيفها الى ثلاث مئات (ا،ب،ج ) أو(مئة، مئتان، ثلاثمئة) ألف دينار عراقي، وللإنصاف كانت قد غيرت من حياة الأديب قياساً الى أقرانه من الموظفين.
بعد ربيع العام 2003 تغيرت الحال كثيراً، فقد شرع القادة السياسيون الى تاسيس العديد من الصحف والمجلات ومحطات الراديو ووسائل اعلامية اخرى وكذلك تاسست شبكة الاعلام العراقية وتفتحت آفاق النشر في الوطن العربي، وبموجب ذلك تغيرت حياة الاديب والمثقف نحو الافضل، لكن السنوات الأخيرة وبفعل الازمة المالية، بفعل الفساد والسرقات التي طالت المال العام، فضلاً عن ارتفاع ملحوظ في الانفاق على متطلبات الحياة كالكهرباء والصحة والتعليم والنقل وغيرها، الامر الذي بات يهدد حياة الأديب ثانية، وبما يعود به الى المربع الأول، حيث العوز والحاجة.
يقول زميل عمل طويلا في صحافة إحدى الدول الخليجية بان المكافأت التي تمنحها المجلة(س)الى الشاعر أو الناقد او الكاتب(ص) تتراوح بين الـ 1000 -1500 دولار، وهو يكتب مادة واحدة في الشهر، بمعنى انه يتقاضي سنويا ما معدله الـ 15.000دولار سنوياً، وهو مبلغ كبير جداً أزاء ما يتقاضاه أكبر أدبائنا في العراق. سيأتي من يقول لنا: إن الخليج شيء آخر، ظنّاً منا أن لا نقول له: والعراق شيء آخر أيضاً !!
لا نريد أن نقترح أسلوباً جديداً في مكافآت النشر الممنوحة للأدباء العراقيين، لكننا ننبه الى ما نرصده ونشعر به، ونقول إذا أردنا الحديث عن ثقافة جادة، عن عراق منتج للثقافة الرصينة، عن خلق اسماء تتساوق مع سمعة البلاد التاريخية، كرائد للثقافة والفكر، علينا أن نبحث عن حياة كريمة للأدباء، علينا ان نستعين بهم في صناعة مستقبل عظيم لهذه البلاد، نقول ذلك لأننا في بلاد هي الأغنى عقلا وفكرا ومالا بين دول المنطقة بما فيها الخليج.
الأديب العراقي بين الكتابة والمكافأة
[post-views]
نشر في: 19 أغسطس, 2017: 09:01 م