TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قانون العفو وتعديله.. باطل

قانون العفو وتعديله.. باطل

نشر في: 19 أغسطس, 2017: 05:38 م

يُمكن للحكومة التي ورثت موازنة خاوية بفضل فساد سابقتها وانهيار أسعار النفط، سلعتنا الواحدة الوحيدة، وتطبّق برنامجاً للتقشّف لم يحقّق النتائج الحاسمة المرجوّة، أن توفّر مئات مليارات الدنانير سنوياً بحلّ جهاز السلطة القضائية بقضّه وقضيضه، من رئيس السلطة إلى أصغر حاجب في أصغر محكمة!
لم تعد ثمة حاجة لنا بالقضاء والقضاة .. بدلاً منهم، لدينا 328 عضواً في مجلس النواب جعلوا من أنفسهم قضاة يقرّرون بأنفسهم مَنْ يتعيّن أن يُحكم بالسجن أو بالغرامة المالية ومَنْ لا يُحكم. وعوضاً عن إنفاق الاموال الطائلة على القضاء والعاملين فيه، لنترك الأمر لهؤلاء النواب بأن يكونوا سلطة قضائية إلى جانب كونهم سلطة تشريعية ورقابية.
في العام الماضي أصدر مجلس النواب قانون العفو العام الذي لُحمته وسداه العفو عن الإرهابيين (السنّة) في مقابل العفو عن الفاسدين (الشيعة). كان القانون حصيلة "جهاد" مضنٍ طويل النفس بذلته الاحزاب الشيعية التي لديها أكبر عدد من المحكومين أو الملاحقين بتهم فساد إداري ومالي (سرّاق مال عام، غاسلو أموال، مزورو شهادات... الخ)، والاحزاب السنية التي لديها أكبر عدد من المحكومين أو الملاحقين بجرائم إرهابية.
تبادل المصالح والمنافع جعل الاحزاب الشيعية والسنية التي أدارت بكفاءة عالية على مدى سنوات حروب التحريض والكراهية الطائفية، تتوافق على سنّ قانون العفو العام الذي تسعى هذه الاحزاب الآن إلى توسيع نطاق المشمولين بأحكامه كيما لا يبقى فاسد أو إرهابي من جماعة هذه الاحزاب في السجن. مجلس النواب يريد الآن حصر جرائم الإرهاب بتلك التي وقعت بعد 10 حزيران 2014، وهو تاريخ احتلال تنظيم داعش الإرهابي لمدينة الموصل.. أما كل أعمال الإرهاب الرهيبة التي ضربت مدن البلاد قبل ذلك على مدى عشر سنوات فلم تعد إرهاباً في نظر مجلس النواب الذي يريد في المقابل أن يجري التعامل مع مزوّري الشهادات، وبخاصة الذين احتلّوا مناصب المدير العام فما فوق بموجب شهاداتهم المزوّرة، بوصفها أخطاء وتجاوزات بسيطة تقتصر عقوبتها على الغرامة المالية فقط لا غير!
ماذا يعني هذا؟  
معناه إن مئات القضاة الذين أصدروا أحكامهم العادلة على الفاسدين والإرهابيين ستذهب جهودهم وجهود مساعديهم والمدعين العامين سدى وتكون هباءً منثوراً، وربّما سيتعيّن عليهم تقديم الاعتذار إلى الفاسدين والإرهابيين لأنهم حكموا عليهم بالعدل، بل قد يتوجّب عليهم دفع تعويضات إلى الجناة بموجب نظام "الكوامة" العشائرية الذي تُصبح لأحكامه تدريجياً أولوية على الأحكام القانونية.
التعديل على قانون العفو الذي يسعى إليه النواب الآن باطل، وقانون العفو بصيغته القائمة هو في الأساس باطل أيضاً، فكلٌّ من القانون وتعديله المقترح يريد أن يُظهِر الباطل ويُزهِق الحق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. بغداد

    استاذ عدنان حسين فقط أقول الله يساعد اللي عنده وجدان وضمير وعايش في بغداد اليوم ويرى هذه البلاوي أمامه وما بأستطاعته تغيير شيئ !؟ مقالك وضح أشياء خطيرة وحساسة بخصوص القضاء الغير فعال والبرلمان الذي يدار من قبل نصابين ودجالين وحرامية ؟! فعلاً احكام قرقوشي

  2. حسن

    تبادل المصالح بين الفاسدين جمعهم ووحد رأيهم ولم يجمههم الخوف من الله ولم يجمعهم الخوف من المسائلة ولا حب الوطن والانسانية الخ . اجتمعوا لحماية انفسهم . اعلم ان العراق مر بكوارث وربما لا يوافقتي الكثيرون واعلم ان هناك مسببات او كوارث اشمل واكبر وفعال اجرم

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram