TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كهفُ خفافيش

كهفُ خفافيش

نشر في: 3 نوفمبر, 2012: 05:53 م

إذا كان الجميع يلعن ويشتم الفساد والمفسدين فمن ينهب أموالنا إذن؟ من الذي سرق ولم يزل يسرق ثروات العراق إذا كان كل مسؤول تجالسه يكاد أن يقنعك، بأن لو تُرك له الخيار لهرب من كرسي المسؤولية كما تهرب النعاج من رائحة الذئب؟!

تجري على هامش العمل الإعلامي الكثير من الأحاديث الجانبية مع الضيوف من المسؤولين، وهي أحاديث تغلب عليها الصراحة. ولا اخفيكم سراً اصدقائي فكثيراً ما اقتنع بنزاهة ووطنية وإخلاص من يحدثونني، لكن ما أن تنتهي جلسات الثرثرة تلك، حتى أعود لحيرتي متسائلاً: من يسرق العراق إذن ويرتكب جرائم الإرهاب فيه؟.

القضية هنا لا تتعلق بقدرة المسؤول على الاقناع، بل بقناعته هو، فمعظم المسؤولين مؤمنون بنزاهتهم، والسبب أن الأفراد في مجتمعنا يَزِنون أفعالهم بميزان الدوافع التي تدفعهم لسلوكها، لا بميزان القانون، وتمتلك الدوافع قدرة كبيرة على تبرير الجرائم وغسيلها.. معظمنا ينظر باشمئزاز لجرائم الشرف التي لم تزل تطال النساء في بلدنا، لكن مرتكب الجريمة يتفاخر بها بين أفراد جماعته، والسبب أن زوايا النظر مختلفة هنا، فدافع مرتكب الجريمة هو الخلاص من ضغط جماعته ومن اتهامها له بانعدام الشرف والجبن، الجماعات تحتقر من تعتقد بأنه لا يدافع عن شرفه وتعزله وربما تُعَرِّض حياته للخطر، وهي من جهة أخرى توفر له جميع التبريرات التي يحتاجها ليرتكب الجريمة التي تريد منه ارتكابها.

العراقي الذي شارك بقتل من كانوا يُسمون بـ(أزلام النظام السابق) لم يكن يمارس جريمة قتل من وجهة نظره ولا من وجهة نظر جماعته، بل كان يقتص لنفسه ويثأر لجماعته، وهو نفس التبرير الذي عَمِل تحت شعاره من قتل بدوافع طائفية أو آيديولوجية أو قومية، ومع أن القتل يبقى جريمة كبيرة عندما يحصل خارج نطاق القانون، إلا أن الجماعات تبرره، وتعتبر من يمارسه بطلاً!! وهنا نكون بحاجة لمؤسسات دولة تطبق القانون بقوة وحياد؛ من أجل أن تجبر الجماعات على التخلي عن معاييرها لصالح المعايير القانونية، لكن إذا لم تفعل الدولة ذلك فإنها ستعطي للجريمة شرعية، وتعطي للجماعات مبررات حماية مجرميها. وهذا ما يحدث في العراق، فالذي مارس جرائم القتل بذرائع الثأر للطائفة أو حمايتها، يحظى بحماية الطائفة التي تستخدم كل موارد الدولة لتحقيق هذه الغاية، ونفس الأمر يقال بحق من يخون الوطن لصالح دول الجوار بذرائع وشعارات طائفية أو قومية، عابرة للحدود. هناك أحزاب تعتبر أن سرقة المال العام لتمويل نشاطاتها الحزبية عمل مشروع، بل هو واجب وطني أو ديني، وتحت هذا الشعار تجري عمليات غسيل اموال الفساد ومباركة الفاسدين وحمايتهم.

إذن موضوع الفساد يجب أن لا يتم التعاطي معه بسطحية، لدينا عوق في فهم الجريمة، وهذا العوق جماعي منتشر بين الأفراد، ليس لدينا مسؤولون فاسدون فقط، بل لدينا جماعات فاسدة ومنتجة للفساد، لدينا مجتمع يعاني من عوق فكري وثقافي وعقائدي، هذا المجتمع ينتج المسؤولين الفاسدين ويوصلهم لمراكز القرار ويحميهم بقوة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram