فريدة النقاشكتب الدكتور (علي الدين هلال) أمين الإعلام في الحزب الوطني وواحد من أبرز أعضاء لجنة السياسات فيه مقالا في الأهرام عن الصراع المحتدم على عقل مصر ملاحظا أن هناك تدهورا عاما في طرق التفكير وذهنية النخبة خاصة فيما يتعلق بقضية وضع المرأة ومكانتها مستشهدا بما حدث مؤخرا في مجلس الدولة من تصويت كاسح في الجمعية العمومية للمجلس ضد قبول المرأة قاضية، وأورد هلال في هذا الصدد حقيقة أرى أنها ناقصة
 وهي أن كل النظم السياسية والاقتصادية تجد سندها في مجموعة من القيم والمفاهيم والأفكار وهذا صحيح، ويأتي نقصانه من نفي مسؤولية هذه النظم هي نفسها عن انتشار قيم ومفاهيم وأفكار معينة وتراجع قيم ومفاهيم وأفكار أخرى، إذ تلعب طبيعة هذه النظم واختياراتها الاجتماعية - الاقتصادية - الثقافية أدوارا رئيسية مؤثرة في إنتاج القيم والمفاهيم والأفكار والتأثير في توجهاتهم ثم وضع بصمات قوية عليها وإن كانت الأفكار والمفاهيم والقيم تتغير ببطء ويشخص الاقتصاديون التقدميون طبيعة النظام القائم في مصر منذ ثلاثين عاما بأنها طفيلية وتابعة حيث تزايدت سيطرة القوى الرأسمالية محلية وأجنبية وجانب كبير منها يقوم علي المضاربة والوكالة للشركة المتعدية الجنسية ونهب أموال البنوك وأراضي الدولة، وتم التخلي التدريجي عن الجزء الأكبر من مكتسبات الطبقات الشعبية التي تحققت نتيجة ثورة يوليو، وتحولت الدولة من أداة لقيادة التنمية وزيادة الاستثمار، وتحديث المجتمع، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي وإعادة توزيع الدخل لصالح الطبقات الفقيرة عن طريق الملكية العامة، وإعادة توزيع الثروة، ونشر الخدمات المجانية، وضمان تشغيل العاطلين، لتصبح هذه الدولة أداة لإثراء العلة. وإذا تأملنا في التكوين الثقافي والذهني لهذه العلة المهيمنة التي لم ترتبط تاريخيا بأي عمل تراكمي لزيادة الإنتاج أو تقدم الصناعة والزراعة وبالتالي تطوير البحث العلمي الذي يحتاج إلي عقلية علمية نقدية تتعامل مع المقدمات والنتائج وأسباب الظواهر ومكوناتها الواقعية، ولكن العقلية التي نشأت خلال سنوات الطفيلية والتبعية والفساد هي عقلية المضاربة والعشوائية والفهلوة وضربات الحظ لذلك كان قيام التحالف الموضوعي عملا بالغ اليسر بين كل من القطاع الأقوى من الرأسمالية الحاكمة فعلا والرأسمالية الدينية خارج السلطة التي تقدم غطاءاً شرعيا للاستبداد وتنشر أفكار وممارسات التمييز ضد النساء والمسيحيين وتعادي حرية الفكر والتعبير بحثا عن أسس للعلم في القرآن الكريم وسعيا لتغييب الجماهير الفقيرة التي يشفق عليها الخيرون من دعاة الدولة الدينية ويتحالف معهم بعض من يسمون أنفسهم برجال الأعمال وهم يحولون حقوق الناس إلي صدقات وأعمال بر وإحسان إذ يصادرون حرياتهم ويكبلونهم (رجلين وراس) علي حد تعبير الشاعر أحمد فؤاد نجم. وتتولى الدولة عبر أدواتها المختلفة صياغة مناهج التعليم وبرامج الإعلام في المؤسسات المملوكة لها وتعيين موظفي المؤسسات الدينية، ولا يبقى بعيدا عن سطوتها من مؤسسات التنشئة الاجتماعية سوي الأسرة، وبطبيعة الحال فإن الأسرة لا تشكل عقليات أبنائها في فراغ اجتماعي بل في ظل التأثير الكاسح لهذه المؤسسات القوية جدا التعليم والإعلام والمؤسسة الدينية. وسوف نلاحظ في هذا السياق أن القنوات التليفزيونية الخاصة التي أنشأها بعض رجال الأعمال تبث بشكل منتظم برامج لدعاة دينيين تتنافى الرسائل التي تقدمها للجمهور مع أبسط أسس العقلانية والفكر النقدي والحرية الذهنية، بل إنها تروج للخرافات والأساطير، من أوسع الأبواب، وتستثمر حالة اليأس التي يعيش فيها مواطنون فقراء بالملايين لتنعش بينهم آمالا زائفة بعد أن دمرت آمالهم الواقعية أصولية أخرى هي الأصولية الرأسمالية وهي التي وصفها الزميل (أسامة غيث) بالأسوأ والأكثر قبحا بين ما أنتجه العقل البشري من أيديولوجيات وأفكار وسماها رأسمالية كازينو القمار التي تقوم علي خرافة قوى السوق الخفية أو الجناح الاقتصادي للأيديولوجية الأصولية المسيحية الصهيونية التي يواصل نظام الحكم في مصر الخضوع لمخططاتها والالتزام بأسسها رغم شرورها ومفاسدها ورذائلها ورغم كل الخراب الذي ألحقته بالبلاد والفساد المتوحش الذي نتج عنها.. هكذا تشكلت يا دكتور (علي) عقلية (النخبة) وهكذا جرىالاستيلاء علي عقل مصر الذي لم يكن دائما هكذا، كما أنه ليس معطى ثابتا ولا قدرا إنما حدث تدهور بفعل فاعل هو نظام الحكم.