يتردّد في الأوساط المعنية بالشأن الفرويديّ تفكير مفاده الاستغراب من عدم انتفاض النساء ضد الميزوجينية (كُرْه النساء) الفرويدية، ومن قبول نساء كثيرات برؤية فرويد الذكورية حدّ الذهاب، كما هو حال المحللة النفسية ماري بونابرت، إلى التخلّص من البظر، "القضيب الأثريّ" في أجسادهنّ، من أجل التركيز على النشوة المهبلية المحض، فتوجهتْ بونابرت الى سويسرا لإجراء ثلاث عمليات ختان. يمكن أن نقرأ على النيت حجج القبول والممانعة، على التناوب، بشأن موقف فرويد.
ونعتقد بأنك لو سألتَ اليوم سيغموند فرويد عن معاداة للنساء في مواقفه، لأجاب بأن ثقافته، آخرة المطاف، هي نتيجة سياق القرنين التاسع عشر وبداية العشرين، حيث لم تكن النسوية (نعني أفكارها) كما نعرفها اليوم موجودة بعد. ولو رددتَ عليه بأن ذلك لا يُبرّر لعالِم مثله، بعض الأفكار بشأن النساء، مثل قوله إن "... الدونية الفكرية لكثير من النساء، حقيقة لا جدال فيها، وينبغي أن تُعزى إلى كبح الفكر، كبح هو من مستلزمات القمع الجنسيّ". لقال في الغالب إن هذا ليس موقفاً من النساء بل تثبيتاً وتفسيرًا لحقيقة كانت موجودة، وتعترف بها خيرة المثقفات من النساء في ذلك العصر. ولقال لك بأنكَ قرأتَ فقط جزءاً من الفكرة: "الدونية الفكرية لكثير من النساء، حقيقة لا جدال فيها"، ولم تقرأ تفسيره للظاهرة: "أن كبح الفكر هو من متطلبات كل قمع جنسيّ". وهنا إدانة لهذا الكبح دون شك، وهو فعل ذكوريّ على نطاق التاريخ.
لكنك لو ذكَّرتَ فرويد باعتراضات نساء اليوم على قوله: "إنه لأمر معروف، وقد منح للرجال مادة وافرة للتجريم [يقصد إدانتهم للنساء]، بأن شخصية النساء غالباً تتدهور خاصة بعد أن يعتزلن وظائفهنّ التناسلية [يقصد أثناء الطمث]. فيصبحن كثيرات الخصام، مزعجات، كثيرات الاعتراض، دنيّات وبخيلات: يُظهرن ملامح أيروتيكية شرجيّة لم تكن لديهنّ سابقاً، أثناء أنوثتهنَ". لأجابكَ بأنه قد كتب ذلك عام 1913، مُلاحِظاً إشارته وتأكيده أن الأمر يتعلق بتجريم الرجال للنساء، أي أنه إدانة للرجال في المقام الأول. ولو أنك استفسرتَ منه بما يقصده (اعتزال وظائفهنّ التناسلية)، وفيما إذا قصد تَوقّف الطمث نهائياً أم أثناء الحيض، لعله سيجيب: ربما كليهما. وأن أعراض فترة الحيض التي يذكرها معروفة عند الأطباء والطبيبات، بسبب تحوّلات هارمونية طبيعية.
بمناسبة صدور مراسلات فرويد مع ابنته "آن" بالفرنسية عام 2012 كتبت معلّقة فرنسية، وهي تستعيد بعض المعطيات أعلاه، أن الأكيد هو أن فرويد لم يكن يروق النازيين، فقد هاجر إلى إنكلترا عام 1938 وكان يبلغ الـ 82 من عمره. ومن دون شك، نقول، فإن مجمل تحليلاته المتحرّرة، الصادمة للمنظومة السائدة حينها، كانت تقف على مسافة واضحة مع الأيديولوجيا النازية، إذا لم تكن إدانة مُضْمَرة لها.
ما الذي عناه فرويد بقوله الشهير عام 1926 "إن الحياة الجنسيّة للمرأة الناضجة هي بالنسبة لعلم النفس قارّة سوداء”؟ إنها إشارة للتعقيد الأيروتيكيّ المحيط بحياة المرأة، وليس انتقاصاً. المشكلة أن أقوال فرويد عن المرأة جُمِّعت مُتشظّية، ومن دون سياق، وخُلِط بين فرويد الشاب والناضج والكهل المكتمل، خبط عشواء، دون اعتبار أن تصريحات الشباب ستختفي في فترة الشيخوخة.
ونظنّ ان عدم إيمان فرويد بالمساواة بين الجنسين، هي حقيقة لا يمكن نكرانها، ولكننا نعتقد أن المقصود بذلك إنما (التساوي) السيمتري، بالوظائف البيولوجية، وما ينجم عنها بالضرورة من اختلافات نفسانية، دون الحط أبداً من شأن المرأة.
السؤال هو: هل أن اختلاف الوظائف البيولوجية مَدعاة لاختلاف بسيكولوجيّ إلى الحدّ الذي يصفه فرويد؟
الأجوبة على هذا السؤال في غاية التفارُق.
فرويد والنساء
[post-views]
نشر في: 21 أغسطس, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...