هو يعمل نجاراً، وهي تعمل خياطة، زوجان متحابان متفقان يعيشان أوج سعادتهما، لكن لو وضع حبهما في الميزان هي كانت ستزن أكثر، لأنها تعطي له الحب دون أن تنتظر، وتحفر فيه عميقاً، بصوتها الشجي، وملمسها الدافئ، ونظراتها الحنونة، وقد أثمر هذا الحب قمرين صغيرين
هو يعمل نجاراً، وهي تعمل خياطة، زوجان متحابان متفقان يعيشان أوج سعادتهما، لكن لو وضع حبهما في الميزان هي كانت ستزن أكثر، لأنها تعطي له الحب دون أن تنتظر، وتحفر فيه عميقاً، بصوتها الشجي، وملمسها الدافئ، ونظراتها الحنونة، وقد أثمر هذا الحب قمرين صغيرين، طفلاً وطفلة. انعكس هذا التناغم على تفاصيل الأيام التي يعيشانها، وقد ولّدت لهما فرحاً مستمراً، توحدهما مع الطبيعة وخضرتها، إذ كانت الأخيرة ملاذاً لهم بعد البيت العادي، حتى أصبحا جزءاً منها، مثلهما مثل الأشجار العالية، وعباد الشمس المنتصب، والبحيرة الساحرة، إلى أن تعرّف الزوج على امرأة جديدة تعمل في البريد، أحبها وأحبته، أحسّت الزوجة بهذه العلاقة، لم تخبره ولم تهاجمه، بل تركت له الساحة، وانتحرت غرقاً في البحيرة التي لطالما تقابلا فيها ومارسا بجانبها كل طقوس الحب، انتحرت لأنها تحبه ولا تريد أن تكون حجرة عثرة في طريق حبه الجديد هذا، وقد وجدها جثة هامدة تطفو على البحيرة، حزن عليها وبكاها، وبعد فترة عاد لحبيبته عاملة البريد، التي تحبه كثيراً، حيث اهتمت بالطفلين اللذين تركتهما الأم خلفها، وعاشا في "سعادة" وانسجام، بعد أن انعكس هذا الحب عليهم جميعاً، وكأن انتحار الزوجة لم يذهب هباءً، نثرت حولهم "السعادة" ورحلت.
هو واحدٌ من أجمل الأفلام الدرامية الفرنسية، للمخرجة الكبيرة أنياس فاردا، وهي أيضاً من أهم المخرجات الرائدات، ناهيك عن أنها أحد أصوات "الموجة الجديدة"، الفيلم بعنوان "السعادة" 1965، لعب فيه دور الزوج الممثل "Jean Claude Drouot"، أما الزوجة فهي الممثلة "Claire Drouot"، بالإضافة إلى الممثلة التي لعبت دور العشيقة "Marie-France Boyer ".
يتجلى عمق الفيلم أنه لا يدين ولا يحكم ولا يُجرّم، ترك موضوع الخيانة ضمن سياق معين، سياق التضحية من أجل الآخر، ذهب من خلالها إلى قداسة الحب، حسب وجهة نظر الزوجة، التي أحبت زوجها بعمق، وحين وجدت بأن حبه تطوّر مع أخرى تركت له الطريق، وغادرت منتحرة، لأنها رأت في عينيه بريقاً جديداً، وفي تصرفاته حيوية، وقد كسر الفيلم من ناحية الموضوع مسلمات السينما الكلاسيكية والتي لا تزال إلى اليوم خصوصاً في السينما الأمريكية والهندية، حيث أن الخائن مصيره دائماً الخسران والندم والانتقام، على عكس الخائن في فيلم "السعادة"، حيث أثمر هذا الحب ونجح، والدليل اعتناء الزوجة الكبير بالطفلين، حيث تقوم بمهام الأم كما ينبغي، والطفلان سعيدان بهذا، كما أن الزوج تطوّر في عمله وتقدم، وهكذا، وكأن المخرجة آنياس فاندا، قدّمت دليلاً آخر على انتمائها للموجة الجديدة، وخروجها من جبة السينما المعتادة.
وقد استطاعت المخرجة أن تكسر أفق المشاهد وتُخيّب ظنه، لأنه كان ينتظر أن يحدث انتقام ما للزوج، بسبب ما أحدثه لزوجته، التي دفعها للانتحار بسبب أنانيته وخيانته، لكن حدث العكس تماماً، بررت موتها وتضحيتها، ماتت لتعيش فكرة الحب، فكرة "السعادة" المطلقة.
أثّثت المخرجة آنياس فاندا، العديد من مشاهد فيلمها بالرموز والمعاني، التي تعكسها الزهور، أو اللوحات الفنية المعلقة على الجدران، كما شكلت زهرة عباد الشمس حضوراً طاغياً في معظم مشاهد الفيلم، وهي من بين الزهور التي ترمز بقوة إلى "السعادة" والثبات والولاء، وهي من المعاني القوية التي اعتمد عليها الفيلم، وبالتالي دعمته بشكل كبير، ولم تترك فرصة للاكسسوارات الاعتباطية، ما ولّد لها دلالات قوية في كل إطار ومشهد.