TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فيلم عن الحرب.. بلا بطولة

فيلم عن الحرب.. بلا بطولة

نشر في: 23 أغسطس, 2017: 02:53 م

دانكيرك الموقعة التي خسرها البريطانيون، لصالح الألمان في بداية الحرب، الساحل الفرنسي الذي دشّن انتصارات ألمانية النازية في الحرب الكونية الثانية وألحق بالحلفاء هزيمة قاسية، فلم يمتلك هؤلاء -اعني الحلفاء- إزاء وقوعها سوى الانسحاب بإخلاء أكثر من 300 ألف جندي في عملية أُطلق عليها حينها (العملية دينامو).
قلّب المخرج كريستوفر نولان صفحات الحرب الكونية، فلم يجد إلَّا هذه الصفحة التي كانت انتصاراً ساحقاً للألمان، وانسحاباً مشرفاً يشبه الانتصار لقوات الحلفاء.. لكنه هزيمة على أية حال.
فيلم دانكيرك، يحقّق نجاحاً تجارياً ونقدياً كبيراً، بل يعتلي منصّة (البوكس اوفيس) لأسابيع عدّة رغم اسلوب اشتغاله الذي لا يستهوي بالعادة جمهور السينما، وهي سابقة قلّما تحصل في الإنتاج السينمائي الأمريكي.
ما الذي فعله نولان؟ حتى يقدّم فيلماً استثنائياً عن الحرب، فيلم بمعنى أنه في قائمة الأفلام التي قدّمت الحرب بمستوى فني وفكري عال مثل فيلم (خيط أحمر رفيع) و(باتون) و(الحرب والسلام).. إنه فيلم اقترب كثيراً بواقعيته من الأفلام الوثائقية.
فعل نولان بأن جعلنا كمشاهدين جزءاً من الحرب نعيش تجربتها، حرب لا يرى فيها العدو (أعني المانيا) ليس فيها دماء، ولا خطط عسكرية بل ولا قادة، لكنها حرب على أية حال، نعيش الخوف واليأس ساعة الهروب، عملية اسطورية للإجلاء أو قل للانسحاب.
يختار كريستوفر هولان عدداً هائلاً من الكومبارس، ويختار موقع الحدث نفسه ساحة دانكيرك..
إنها أكثر من واقعة تأريخية، فهي أكبر عملية إجلاء في تأريخ الحروب على الإطلاق.
الفيلم يُسرَدْ بشكل أفقي بلا قصة، الكليشهات المعروفة لحروب الأفلام لا موقع لها، لا امرأة في الفيلم ولا قصص لجنود تستدر العواطف، ولا ذكريات، والأهم من كل ذلك بلا حوار أو بأقل ما يمكن من حوار، كل ذلك لكي يجعلنا كريستوفر نولان نستعيد ذلك المشهد (مشهد الانسحاب) ببانوراميته لنعش تفاصيل الحرب كما وقعت.
اللقطات القريبة جداً تظهر وجوهاً مذعورة لا تعرف مصيرها، أقرب الى البَله.. واللقطات البعيدة هي لمجاميع حقيقية تتحرك بانتظام أو بفوضى تبعاً لما تقررهُ الأحداث مجموعة خوذ تنتظم أجساداً بشريّة داخلها على مرأى البصر مراكب الإنقاذ.. لا مكان للمؤثر التقني الذي يزيّف الحدث كما رآه المخرج أو كما نحب أن نشاهده - نحن - وصل عدد الطائرات والبوارج الى خمسين قطعة – وقسم منها استعمل في العملية الحقيقية أي قبل 70 عاماً. التأريخ يذكر أن بريطانيا استخدمت أكثر من 800 سفينة للإجلاء، ومراكب شخصية، قدم منها نولان نموذجاً واحداً ليشير الى الجهد الشعبي في عملية الإنقاذ، مارك ليرانس أدّى الدور (السيد داوسن) الذي قرر التطوع لإنقاذ الجنود، لكنَّ التأريخ أيضاً يذكر أنَّ مشاركة هذه المراكب كانت في إطار التعبئة للحرب.
الحدث الذي استلهمهُ نولان لا مكان فيه لدور البطل، فالكل أبطال في مواجهة الدمار والموت، ولأنه بصدد لوحة لهول المشهد، أقصى الكثير من كليشهات أفلام الحرب، البطولة، الإيثار، التضحية، فالكاميرا كانت بين جموع الجنود وهم يتسابقون للظفر بلحظة إنقاذ حمل جريح أو لباس جثة.. فالكلُّ منغمسٌ بشيء واحد هو إظهار اسطورية الإنقاذ والذي عدّه الحلفاء نصراً مؤزراً.
الفيلم ليس ملحمةً بصريةً بل يحسّها المشاهد بعينه بل أيضاً مأثرة صوتيّة التي صاغها (هانس زيمر) باستخدام مؤثر صوتي يصاحب إطلاق النار وصوت البحر يصعد وينزل تبعاً لطبيعة المشهد، فيما قسم من هذا الصوت نسمعهُ في زمن الفيلم كله أشبه بصوت رقاص ساعة، حيث نشعر به في  البداية ثم نعتاده ملازماً للتوتر الذي نحسّه خلال أحداث الفيلم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram