TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > يُمكننا ألّا نكون شحّاذين

يُمكننا ألّا نكون شحّاذين

نشر في: 25 أغسطس, 2017: 05:35 م

adnan.h@almadapaper.net

هذا الخبر ليس من النوع الذي يسرّ ويُبهج تماماً، مع أنه يشير الى إمكانية تجاوز أزمة راهنة تواجهها الدولة العراقية، هي نقص السيولة المالية، لمواجهة متطلبات إدارة المجتمع وتوفير الأمن والخدمات، فضلاً عن متطلبات الحرب المكلفة على الإرهاب.
الخبر هو الذي جاء على لسان المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، د. مظهر محمد صالح، الذي صرّح الخميس بأن العراق سيحصل، باتفاقات مع دول وهيئات دولية، على قروض بقيمة 16 مليار دولار تقريباً لسدّ فجوة الموازنة المقدّرة بـ 18 مليار دولار.
بالمقارنة مع عائدات النفط التي بلغت في بعض السنوات، زمن الحكومة السابقة، مئة مليار دولار سنوياً، فإن هذه القروض التي أنفقت الحكومة الحالية الكثير من الجهد والوقت لكسب ثقة الجهات المانحة والحصول على القروض، ليست ذات قيمة كبيرة، فلو كانت العائدات النفطية المتدفقة في سنوات طفرة الاسعار قد استُثمِرت في تنمية الاقتصاد الوطني ما كنّا سنحتاج حتى إلى مليار واحد لنقترضه، لكنّه الفساد الإداري والمالي الذي ظلّت وتائره تتصاعد بسرعة صاروخية لم يبقِ لنا شيئاً نبني به مدارس أو مستشفيات، فضلاً عن مشاريع الصناعة والزراعة.
بالتزامن مع تصريح المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، جاء في الأخبار أن مجلس القضاء الأعلى رفض طلباً من محافظ صلاح الدين أحمد عبدالله الجبوري، المسجون حالياً بتهم فساد، بشموله بقانون العفو العام، لأنه "لم يسدّد ما بذمته من التزامات مالية مترتبة نتيجة إهدار المال العام"، وإهدار المال العام هنا كناية عن سرقته في الواقع، فالمحافظ المسجون لم يُلقِ بالأموال "المهدورة" في مكبّ للنفايات أو مستنقع عن غفلة، إنّما لابدّ قد تقاسمها مع حاشيته والمقاولين الوهميين الذين عُهِد إليهم بتنفيذ مشاريع في المحافظة ولم ينفّذوها.. وهذا تقليد صار راسخا في الحياة الإدارية العراقية في عهدنا الحالي "الزاهر"!، فما من محافظ أو نائب محافظ أو رئيس مجلس محافظة أو سواهم من رؤساء الإدارات والمؤسسات في الدولة لم يفعل ما فعله محافظ صلاح الدين، إلا ما ندر من القلة القليلة من المسؤولين الوطنيين الشرفاء.
محافظ صلاح الدين مسجون بتهمة "إهدار" 40 مليار دينار، أي ما يزيد على 33 مليون دولار. وقصة هذا المحافظ  واحدة من عشرات، بل مئات، قصص الفساد الإداري والمالي في العراق. قبل أيام فرّ محافظ البصرة، بينما زميله رئيس مجلس المحافظة في السجن، ومحافظ الأنبار هو الآخر مطلوب في قضية مماثلة، ومحافظ بابل حُكِم عليه منذ أشهر بالسجن في قضية فساد لكنّه خرج منها "مثل خروج الشعرة من العجين"  بدفعه مبلغاً ليفلت من السجن، ويعود الى منصبه (!)، مشمولاً بقانون العفو الذي شرّعته الطبقة السياسية المتنفذة خصيصا للعفو عن جرائم الفساد وجرائم الإرهاب التي كان أكبر مرتكبيها عناصر قيادية في هذه الطبقة. إلى جانب هؤلاء، هناك العشرات من الوزراء أو من هم في درجتهم  يلاحقهم القضاء وهيئة النزاهة عن قضايا فساد، فضلاً عن أولئك الوزراء والنواب وغيرهم من المسؤولين في الحكومات ومجالس النواب المتعاقبة منذ 2004، الذين فرّوا بمليارات الدولارات إلى خارج البلاد، عدا عن أولئك الذين هرّبوا مئات المليارات عن طريق نافذة العملة للبنك المركزي.
لو كانت الحكومة، ومعها هيئة النزاهة والقضاء، ذات عزم قوي لكانت قد واجهت كل الفاسدين بفسادهم، وهي تتوفر على كل ما يثبت هذا الفساد، واستعادت منهم الأموال المنهوبة التي تتجاوز قيمتها في الأقل عشرة أضعاف قروض الـ 16 مليار دولار، التي نشحذها الآن لسدّ فجوة الموازنة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. بغداد

    استاذ عدنان حسين المناضلين الأسلامين الحرامية عندما كانوا شحاذين وهم في ازقة ودرابين قُمْ ودمشق وحسينيات لندن وكندا وأمريكا والسويد يتباكون ويوعدون الشعب العراقي داخل العراق الذي ابتلي بفترة ١٣ سنة حصار ودمار حتى أكلوا الرز مطعم بالدود والسلابيح وعدوا انه

  2. عباس عبدالله على

    اعتقد كان من المغترض ان يكون الموصوع شاملا بشكل مستفيض عن جميع الذبن تلوثت اياديهم بسرقة المال العام و ليس فقط لعدة افراد.تمشيا مع القيود المذكورة كان من الاولى ذكر ذلك المسؤل الجبار الذى نهب من خزينة الدولة مالم تحمله الجمل زو الذى سمعنا ان ابنه لديه س

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram