TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ديموقراطية التشدد: ديكتاتورية الخراب

ديموقراطية التشدد: ديكتاتورية الخراب

نشر في: 26 أغسطس, 2017: 09:01 م

تتعهد الأنظمة الديموقراطية العلمانية في العالم باحترام الأديان كلها وضمان حرية الفكر والتعبير، كما تلتزم بعدم التدخل في نمط العيش وماينطوي عليه من اختلاف طرز الملابس وأساليب الحياة وتتكفل بضمان حرية التنقل والسكن في حدود الوطن الواحد وتحمي الأفراد وتوفر حمايتها الإنسانية والسياسية والقانونية للجميع، فالدولة المدنية علمانية نظام حكم لايعادي الدين ولايعتمده نظام حكم بل يعترف بجميع العقائد والأديان ويعاقب من يتدخل في حياة الأفراد وحرية معتقداتهم الدينية وأفكارهم، ويحق للفرد مقاضاة أيّ موظف دولة أو حاكم يصادر حريته وعقيدته.   في بلادنا التي تدعي الديموقراطية  يحدث النقيض:  تتحكم الأحزاب الدينية بحياة الناس، وتتضامن مع أشباهها في أساليب تخريب البلاد وسرقتها ومحاربة الرأي المختلف وإرغام المجتمع على تبني أسلوب عيش تفرضه بالقسر  .من قال لهؤلاء أن الديموقراطية تختزل بصناديق الاقتراع؟ ومن قال إن الديموقراطية تختزل بصعود ممثلي الأحزاب الى البرلمان والمواقع التنفيذية؟  هل أنبأتهم الدول المتحضرة بأن الديموقراطية تبيح تأسيس ميليشيات مسلحة؟؟ وهل تعلموا في بلدان لجوئهم - التي يدينون لها بالولاء - أن الديموقراطية تتيح لهم سرقة البلاد وتوزيع مناصب الدولة على الأقربين والتابعين مع انعدام الكفاءة؟ من قال لهم أن في البلد الديموقراطي يُحكم المجتمع من فوق منابر الجوامع ويُهدد مواطنوه بالقصاص عندما تخالف أفكارهم  توجهات الكتل الحاكمة ؟؟  والمخالفة هنا تعني أن يحمل معظمنا فكراً عصرياً مستقلاً نتاج ثقافة عقلانية ومنظومة قيمية مختلفة  أسسنا عليها مواقفنا وأسلوب حياتنا وتفاصيلها اليومية ؟
ليت هؤلاء يفهمون أن الوطن للجميع وليس للفئة الحاكمة تتسلط على المجتمع وتتحكم بالمصائر وموارد الدولة على أساس فقه أو فتاوى تبيح لها استباحة المال العام ويسرق اعضاء كتلها الحاكمة ثروة البلاد وتحميهم دول يدينون لها بالولاء قبل ولائهم للوطن..
ليت هؤلاء يفقهون أن ملايين العراقيين  خدموا هذا الوطن منذ عقود طويلة وما  سرقوا أموالاً عامة ولا استولوا على عقارات الدولة ولا نهبوا مواردها كالجراد القادم في موجات مجاعة، فأحالوا كل ماكان عامراً من مظاهر المدنية إلى خراب، وجرفوا الاراضي الزراعية والبساتين لتحويلها إلى استثمارات لتابعيهم، مثلما هددوا المختلفين دينياً لإرغامهم على الهجرة  ثم الاستيلاء على عقاراتهم.
الديموقراطية تعني أن تعدل بمقدار ماتستطيع، وأن تتقبل المختلف فكراً وعقيدةً ومواقف، وأن توقف هيمنة الأعراف العشائرية ليسود القانون وحده ويحتكم إليه المظلومون، الديموقراطية ليست حكم الأغلبية بالجور ومصادرة حقوق الملايين الذين تحملوا تبعات الحروب الحمقاء وفقدوا ابناءهم وكرامتهم وكابدوا ويلات الحصار، الديموقراطية أن تحكم الأغلبية بالعدل والقانون لصالح الملايين التي تعاني  العوز وفقدان الخدمات والكرامة الانسانية.
الديموقراطية أن لاتغلقوا أبواب الحياة والتطور وتحاربوا المدنية والتحضر وأنتم تستخدمون أدوات المدنية واختراعاتها لتعزيز تشددكم، الديموقراطية هي أن لاتحرموا الموسيقى والفنون وتنعتوا كل شأن ثقافي وكل فكر مختلف بالخروج على ملتكم، الديموقراطية أيها السادة هو أن يرتقي العلم وتنتعش الفنون والآداب وأن يٌحترم الاختلاف وتُحترم معارضة المواطنين الداعين للدولة المدنية؛  فالمعارضة هي لو تعلمون كما وصفها المؤرخ الامريكي (هاوارد زِن) : (المعارضة أعلى درجات الوطنية) ولايقوم مجتمع ديموقراطي مالم تنشط فيه معارضة تتنافس مع الاحزاب الحاكمة في تقديم برامج  اقتصاد وبناء وتعليم قائم على معطيات العلوم الحديثة وثقافة  تعزز مدنية البلاد ومواكبة العصر.كل ادعاء للديموقراطية مصحوب بالتشدد والفساد هو ديكتاتورية محكوم عليها بالزوال كشأن أية ديكتاتورية في تاريخ الانسانية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

 علي حسين عزيزي القارئ.. هل تعرف الفرق بين المصيبة والكارثة؟، المصيبة يمكن أن تجدها في تصريح السياسيين العراقيين وجميعهم يتحدثون عن دولة المؤسسات، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تقاسم المؤسسات فيما بينهم تحت...
علي حسين

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

د. فالح الحمــراني حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة،...
د. فالح الحمراني

العراق.. السلطة تنهب الطقس والذاكرة

أحمد حسن على مدار عشرين عاما، تحولت الثقافة في العراق إلى واجهة شكلية تتحكم بها مجموعات سياسية تدير المجال العام كما تدير المغانم. وفي ظل هذه الوضعية لم تعد الثقافة فضاء لإنتاج الوعي أو...
أحمد حسن

لماذا تهاجم الولايات المتحدة أوروبا بسبب حرية التعبير؟

فابيان جانيك شيربونيل * ترجمة : عدوية الهلالي «أعتقد أنهم ضعفاء. الأوروبيون يريدون أن يكونوا ملتزمين بالصواب السياسي لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." لفهم الموقف الأمريكي تجاه القارة العجوز، يصعب إيجاد تفسير أوضح...
فابيان جانيك شيربونيل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram