رغم الحداثة والتطورات التي يشهدها النظام المصرفي العالمي من حولنا سواء بسرعة العمل وانجاز التعاملات المصرفية أو من خلال الثقة والأمان التي يوفرها هذا النظام لكل زبائنه، مايزال المواطن في العراق غير واثق بالمصارف الحكومية والخاصة على حد سواء خاصة فيما
رغم الحداثة والتطورات التي يشهدها النظام المصرفي العالمي من حولنا سواء بسرعة العمل وانجاز التعاملات المصرفية أو من خلال الثقة والأمان التي يوفرها هذا النظام لكل زبائنه، مايزال المواطن في العراق غير واثق بالمصارف الحكومية والخاصة على حد سواء خاصة فيما يتعلق بعملية الإدخار، الأمر الذي يفقد الاقتصاد الوطني بحسب مختصين الكثير من عوامل القوة وفرص الانتاج التي تسهم في إدامة وبناء اقتصاد متين بحجم الثـروات التي يملكها العراق .
البنك المركزي الذي انتهج في وقت سابق ستراتيجية للشمول المالي وصفها البعض بالفاعلة حيث تهدف الى احتواء الأموال المكتنزة خارج المنظومة المصرفية والتي تبلغ وفق تقديرات المركزي ٧٧٪ من القيمة النقدية، عاد ليؤكد ان قلة الوعي المصرفي ووضع المصارف المتعثرة في تأمين احتياجات المودعين وكذلك الظروف المالية التي يمر بها البلد هي من باتت تدفع المواطن للاحتفاظ بنقوده في منزله بدلاً من ان يودعها في مصرف”.
وفي وقت يؤكد مصدر مسؤول في البنك المركزي سعي الاخير لتأسيس شركة لضمان ودائع الجمهور وهو في المراحل الاخيرة لإنجازها بعد صدور نظام ضمان الودائع رقم 3 لسنة 2016 حيث توفر الشركة غطاءً لضمان ودائع المواطنين لدى المصارف حيث ستدفع كافة المصارف تأميناً شهريا الى شركة الضمان يتناسب والودائع لدى كل مصرف، مبيناً ان المركزي قام بالطلب من غرفة التجارة العراقية تسجيل اسم هذه الشركة وفق السياقات المتبعة، وقد تم الحصول على حجز اسم للشركة من قبل غرفة التجارة العراقية تحت اسم الشركة العراقية لضمان الودائع، في وقت كان المركزي قد أعلن عن موافقة الحكومة على تأسيس هذه الشركة في السابع من حزيران 2016.
ويقول المستشار المالي مظهر محمد صالح في حديث لـ (لمدى) إن الحديث عن مظاهر الاكتناز مايزال يأخذ ابعاداً شتى في العراق فبين الاكتناز العيني (كالذهب أو الذهب المشغول المخشلات ) والمجوهرات والنفائس الثمينة التي لم تعد تذكر في المصارف العراقية، وبين الاكتناز بالدينار العراقي الذي يستحوذ على نسبة تقارب ٧٧٪ من العملة المصدرة خارج البنك المركزي العراقي فضلاً عن الاكتناز بالعملة الاجنبية، وهي كلها عوامل أفقدت الاقتصاد الوطني أحد اهم عوامل قوته بتحويل مدخراته التي تؤازر دورتي الدخل والانتاج الى تسربات متعثرة في دورة الدخل أو تضعف فرص الانتاج وادامة النشاط الاقتصادي، مضيفا: وهنا يكون الطلب على النقود أو اشكال الثروة الشبيهة بالنقود لأغراض التحوط فحسب .
ويتابع صالح بالقول: وبناءً على ذلك فقد شهد التاريخ المصرفي العراقي خلال القرن الماضي ظواهر مبادلة الذهب بالعملة الورقية عن طريق وضع الذهب كرهينة عند الصاغة او المرابين لقاء فائدة ربوية ، اذ يساعد الطلب على النقود هنا عبر ضمانة الذهب بإخراج النقود الرسمية المكتنزة من دورة التسربات النقدية الى دورة الانفاق وتحريك النشاط الاقتصادي ولكن بأدوات السوق غير القانونية ، وبهذا يكون الطلب على النقد لأغراض المعاملات ولكن لدورات دخل غير مكتملة بالضرورة ولا تقود الى التوازن الاقتصادي الحقيقي، كما شهد التاريخ الاقتصادي الحديث للعراق ولاسيما في ستينيات القرن الماضي الشروع بتأسيس مصرف حكومي سمي بمصرف الرهون ، كبديل قانوني ورسمي لظاهرة المرابين وعموم معاملات السوق غير القانونية في توفير قروض نقدية مضمونة بالذهب يتولى مصرف الرهون ممارستها في تقديم القروض النقدية لقاء الاحتفاظ بالذهب الذي هو بحوزة المقترض الى حين موعد استحقاق القرض أو السداد مقابل فائدة يتقاضاها مصرف الرهون لسد التكاليف التشغيلية وجزء من مخاطر تقلب قيمة الضمانة نفسها من المخشلات او القطع الذهبية المشغولة ، مستدركا: لكن ومما يؤسف له هو الغاء المصرف في مطلع سبعينيات القرن الماضي لأسباب أجهلها حقاً.
ويشير صالح الى: انه وعلى الرغم من ذلك ظلت المصارف على علاقة شبه مصرفية متبادلة مع الزبائن في تقديم بعض الخدمات، اذ ظلت الصناديق المصرفية او خزائن المصارف الشخصية الحصينة متاحة للمواطنين ويتاح استخدامها داخل كل مصرف ولاسيما الحكومية منها وخصوصاً مصرفي الرافدين والرشيد ).و يستطيع المواطن ان يحتفظ بمخشلاته الذهبية وموجوداته الثمينة ووثائقه المهمة في تلك القاصات الحصينة لقاء أجر وبنسبة أمان ١٠٠٪ لقاء اجر شهري او سنوي مقطوع، فيما انحسرت هذه الظاهرة الايجابية منذ زمن ليس بالبعيد و كانت تساهم في تقريب المواطن الى اجواء المصرف او البيئة المصرفية وتعريفه بخواصها كمؤسسة قانونية .وبغياب هذه الخدمة الأمينة قطعت واحدة من اواصر الصلة بين المواطن والمصرف ككيان يحافظ على ثروة المجتمع واشاعة مناخ من الصلات المباشرة بين الافراد والمصارف.
ويدعو: البنك المركزي العراقي أن يباشر بدراسة منح اجازة لمصرف عراقي للرهون ( لرهن الذهب المشغول لقاء المال النقدي ) مما يعزز الائتمان المصرفي ويحول اشباه الثروة المكتنزة الى قوة ضامنة في توليد طلب على النقود لأغراض المعاملات ودعم النشاط الاقتصادي، وعدّ هذا الأمر واحدة من القنوات المؤسسية في القضاء على ظاهرة الاكتناز بأشباه النقود كالذهب وغيره، فضلاً عن تعظيم أجواء الثقة بين المصارف والأهليين باستقبال مخشلاتهم الذهبية وغيرها من النفائس الثمينة في خزائن حصينة لدى المصارف لقاء أجور ميسرة، مؤكدين في الوقت نفسه اهمية البدء بنشاط شركة ضمان الودائع التي يتطلع اليها الجمهور قريباً للاطمئنان على وديعته المصرفية من مخاطر انكشاف المصارف واخفاقاتها، مع كونه يخفض من حالة الطلب على النقد السائل كمكتنزات التي تعد دالة غير مستقرة (شديدة القلق) وعالية الارتباط في تفسير تأثير اللايقين في طلب الافراد على النقد بشكله السائل (الاكتناز) او اشباه النقود، والحيلولة دون زجها بدورة الدخل وحرمان دورة النشاط الاقتصادي الى وقود فاعل مادته النقود .
ويتابع: ان تلكؤ الخدمة وعدم مواكبة بعض المصارف للحداثة والروتين في النظام المصرفي الخاص الذي كان من المفترض ان نتخطاه وهذه أمور لها دورها ووقعها إضافة الى ضعف الوعي لدى الافراد لأهمية وجود قطاع مصرفي خاص وهذه النظرة تعني الحاجة لتوسيع نطاق الشمول المالي الذي يعني إيصال الخدمة المصرفية لجميع المواطنين سواءً في القطاع الحكومي او القطاع الخاص.