أصبحتُ كاتبةً، تقول الروائية الأميركية كارين بَيندر، حين أُصبتُ بحجر في رأسي. كان ذلك عامَ 1969، وكنت في السادسة من عمري، و كانت أمي قد تركتني في حفلة عيد ميلاد صديق لي. كان الشهر حزيران، وأتذكر الساحة الخلفية لذلك البيت، في ماندفيل كان
أصبحتُ كاتبةً، تقول الروائية الأميركية كارين بَيندر، حين أُصبتُ بحجر في رأسي. كان ذلك عامَ 1969، وكنت في السادسة من عمري، و كانت أمي قد تركتني في حفلة عيد ميلاد صديق لي. كان الشهر حزيران، وأتذكر الساحة الخلفية لذلك البيت، في ماندفيل كانيون، وشمس كاليفورنيا الحارة على رأسي، وصيحات الأطفال وهم يعدون حول الساحة. وكان الحاضرون للحفلة قد تجمعوا في عصابة مشاكسة، وراحوا يطاردون الطفل المحتفَل بعيد ميلاده، محاولين جعله يزحف خلال الماكنة الضخمة (وهي مغامرة مبهجة وسادية حيث وقف الأطفال في صف والطفل يزحف خلال سيقانهم، وهو يتلقى الضرب طوال ذلك). أما الكبار، فقد تجمعوا في الداخل، محاولين تجاهلنا. ثم التقط الطفل صخرةً. ورماها.
أتذكر أنني كنت أقف خارج هذا، وأراقب بعض الأطفال يتلوّون عبر نفق يرَقانة نايلون ملونة. ومن ثم، هَمفْ! لم أستطع فجأةً الوقوف وترنحت للوراء على العشب، حيث أمسك بي أحد الراشدين وحملني إلى الطاولة التي عليها كعكة عيد الميلاد. وتغيرت الحفلة إلى شيءٍ ما غير متوقع وجديد.
كان هناك دمٌ في كل مكان. وكان عليهم في الواقع نقل كعكة عيد الميلاد كي لا تتلطخ بالدم. وكان لدي احساس بالتعجب من أن هناك دماً كثيراً كهذا في جسمي. كانت هناك رهبة من كلمات مثل " دم " و" كعكة عيد الميلاد ". وكنت بحاجة لتلك الملاحظة، إذ أنها منحتني طريقة للتحكم بحقيقة أنني كنت آنذاك موضوعة على غطاء المائدة الورقي، مع أطفال السادسة من العمر وهم يتحلّقون حولها ليحدّقوا بي في فزع.
وأتذكر أشياءً أخرى ــ الجلوس في عيادة الطبيب، والإبرة تنفذ و تخرج من جرحٍ طوله بوصة فوق عيني اليمنى. أتذكر احساسي برأسي كله مثل الكونكريت، ملفوفاً بضمادة كبيرة طوال أسبوع. أتذكر صوت الطفل الذي رمى الحجر وهو يعتذر على الهاتف وكيف أنه وأنا لم نتحدث مع بعضٍ لسنوات بعد ذلك، كما لو أن الحادث قد أخجلنا بطريقةٍ ما لا يمكن تفسيرها.
وربما بدأت أكتب قصصاً لأن ذلك كان أول شيء دراماتيكي يحدث لي. لقد أُصبت في رأسي بحجر! و كان عليهم إبعاد كعكة عيد الميلاد كي لا تتلوّث بالدم! وأصبح ذلك، في ذهني، " يوم الحجر ". فكان جعل اليوم في حالة سرد قد حوّل التجربة. وسرد قصة عنه أعطاه شكلاً، بنيةً. وكنت أنا بطلة القصة؛ وكان الطفل الذي رمى الحجر الخصم أو البطل المضاد؛ وما حدث بعدها كان قوساً سردياً.
إن إعطاء شكلٍ لتجربة مؤلمة أمر يتّسم بالقوة لأنه يساعدنا على رؤيته أولاً، كيف مررنا به؛ وثانياً، كيف يمكننا التشارك فيه. فالتجربة لا تبقى عالقة داخلنا، من دون كلام عنها، متخثرة ــ بدلاً من هذا، فإن فن ترتيب ذلك وتحويله يخفف من العبء. فهو لا يعود مقتصراً عليك فقط. وعملية إعطاء التجربة بدايةً، ووسطاً، ونهاية، أي إعطائها شكلاً، هي طريقة للتحكم بها. فكل جملة تتضمن فوضى ــ تصبح تجربتنا ما نُدرك. أمّا الصدق في هذه الإدراكات، ما إذا كانت حقيقية أو مخترعة، فإنه يخلق جسراً إلى الشخص الآخر.
يمكن للأحجار أن تجيء من أي مكان. ويمكنك أن تكتب عن الحادث المريع الذي يجري عند الركن أو حول الحوادث التي تقع بعيداً في العالم. يمكنك أن تنتقم؛ يمكنك أن تكتب عن الناس الذين تعرفهم والذين أخطأوا؛ يمكنك أن تكتب عن كل الأحجار التي تنحرف عن مسارها في التاريخ. فأنت الخالق الذي في مركز التحكم؛ وأنت تقرر كيف يتم الحدث، كيف تفهم الشخص الآخر، وكيف تستدعي التعاطف من قارئ غير معروف لشخصٍ على طريق معين. وخيالك يأخذ أي حجر ويرميه إلى أي طريق يريد.
حين كنت في التاسعة عشرة من عمري وتوقفت عن الذهاب إلى الكلية عدة أشهر، عشت لبعض الوقت مع جدتي. كان لدي قلق أصابني بالشلل، والفعالية الوحيدة التي كان بوسعي القيام بها هي وضع شرائح السجق على العجين في محل لبيع البيتزا، ولم أكن على يقين مما أفعله بحياتي. وكان لدى جدتي، المترملة حديثاً، بعض الأمور التي تشغلها ــ خاصةً ابنتها، عمتي جوان، التي كانت في خمسينياتها. وكانت تعاني من متاعب نفسية تجعلها تهيم أحياناً خارج تسهيلات التمريض المتنوعة التي تعيش فيها. و كانت جدتي تتحدث عن جوان، وعن مخاوفها المتعلقة بها هي نفسها بينما تتقدم في السن. وكانت هذه الأمور المقلقة أكبر كثيراً من أموري، وكنت أتساءل كيف تتدبرها. وكنت وأنا أصغي أشعر بألمها يملأني، أيضاً.
إن الكتابة عن شخصٍ لديه صراع وترغب في أن تستطيع إيجاد حل له هي قضية عطفٍ وكذلك، بصراحة، انتهازية. لكن بتحويله عبر خيالك، يصبح ذلك شيئاً ما جديداً. وفي روايتي الأولى، تحولت قصة جدتي إلى شيء آخر، له علاقة بالأمر ــ شخص آخر في الغرفة، شبح جرى تخيّله. كنا عاجزتين إزاء الألم الذي أنزله بنا العالم؛ و طريقة الكاتب لجعل ذلك مفهوماً هي عملية تحويله إلى قصة.










