مثل قرينه في التمثيل جيمس دين في مسيرته، ومثله في مصيره، شباب، وموهبة كبيرة، وإنجاز فني محدود لكن متميز، وموت مبكر وغامض، لم يستطع إنجاز أفلام كثيرة تماماً مثل دين .. تلك هي مسيرة النجم الاسترالي هيث ليدجر، الذي نال منه الموت قبل أن يهنأ بأوسكار أفضل ممثل مساعد عن دور الجوكر في فيلم (فارس الظلام) ضمن سلسلة أفلام باتمان..
المفارقة أنَّ الاثنين رحلا قبل أن يشاهدا فيلمهما الأخير، وقبل أن ينعما بالفوز بالأوسكار، فالنجم جيمس دين، رحل بعد إنجاز تصوير فيلمه (العملاق) الذي نال عنه فيما بعد الأوسكار، بينما قضى ليدجر قبل انتهاء تصوير فيلمه (فارس الظلام) الذي نال عنه أيضاً الأوسكار. الاثنان تماماً مثل أغنية التم.
الفيلم الوثائقي " I Am Heath Ledger " الذي يطرح السيرة الذاتية للنجم هيث ليدجر، ينقلنا عبر أكثر من تسعين دقيقة مع هذا النجم الذي يعرفه عشّاق السينما بالجوكر الجديد، بأفضل أفلام السوبرهيروز على الإطلاق (فارس الظلام) حيث أدّى دور فاق كل التوقعّات تجاوز فيه ما قدمه من أدوار في السينما، وأصبح أيقونة سينمائية لن تُمحى من ذاكرة جمهور السينما، التي تأثر بها الكثيرون بمدى براعته في إتقان شرها الإنساني.
الفيلم الذي قام بإخراجه أدريان بوتنهيوس وديريك موري، يتضمن لقطات قام بتصويرها ليدجر بنفسه بكاميرته الخاصة، ويقف بمحطات عديدة مر بها في حياته، وكيف كان يتأثر بالشخصيات التي كان يعمل عليها، وليحاول أن يظهرها بأحسن صورة ممكنة، يقوم باختبار ملامح وجهه أمام مرآته المنزلية، ويتحدث فيه العديد من عائلته واصدقائه وزملائه، حيث يظهر المخرج انغ لي، الذي عمل تحت ادارته في (جبل بروكباك)، قبل أن يختاره كريستوفر نولان لأداء دور الجوكر، مستعرضاً سيرته وطفولته وشغفه الهائل بالتمثيل. ومسلطاً الضوء على عشق حد الهوس في التمثيل، وأيضاً يتقدمه كإنسان متعدد المواهب في العزف والرسم، ولعبه الشطرنج والتي فاز ببطولة مدينة بيرث في استراليا، وهو لم يتعد السادسة، وكيف أثّر دوره في شخصية الجوكر في انفعالاته النفسية، حيث لم يستطع الخروج من الشخصية الشريرة، الشخصية المركبة المختلفة والفريدة من نوعها، التي تجتهد لتفسح لنفسها مكانها الخاص.
يقول المخرج كريستوفر نولان عن ليدجر: "كان عاطفياً جداً، تماماً حين رحل، اضطررت الى أن أعود وأنظر إليه كل يومٍ لكن الحقيقة هي، أنني أشعر بأني محظوظ جداً بامتلاكي شيئاً إنتاجيّاً لأفعله، بأن أحظى بأداءٍ كان هو فخوراً جداً، جداً به، وأنه أوكله لي لأنهيه". وكان ليدجر قد سُمِح له بتصوير وتقريباً إخراج الفيديوهات التي يرسلها الجوكر كتهديدات. وكان كل فيديو يصوّره ليدجر يكون مختلفاً عن سابقه.. وكل مشاهد ليدجر في الفيلم ظهرت كما هي حين أكملها هو؛ أثناء مونتاج الفيلم، ذكر نولان أنه لم تتم إضافة أي "مؤثرات بصرية رقمية" لتعديل الأداء الفعلي لليدجر بعد وفاته. وكرّس نولان الفيلم ليكون جزءاً من ذكرى ليدجر.
كان ليدجر يتقمّص الشخصية بدرجة عجيبة كما يقول والده.. وفي جملة لأحد محبّي هيث ليدجر «أنا لا أصدق أن نولان اختار ليدجر لدور الجوكر، يا له من أمر مقزز».
وقد وصف هذا المشاهد الأمر «بالمقزز»؛ نظراً لأن أحد الأفلام التي شارك فيها ليدجر قبل فيلم «فارس الظلام» هو فيلم «جبل بروكباك»، والذي قام فيه بدور مثلي الجنس؛ مما جعل محبيه يتوقعون «أنه سيُقبل باتمان في أي لحظة» كما أوضحوا في رفضهم لاختيار نولان أنه اختيار غير موفّق. وكان رد نولان وليدجر من خلال عرض الفيلم فقد كان من الصعب على أي مشاهد متابع لليدجر تخيله في دور معقد وشرير كهذا؛ لما قدمه من أفلام كوميدية وخفيفة ورومانسية.
ليدجر كما قال المخرج الكبير انغ لي، في اللقطات الأخيرة من الفيلم وعلى ايقاع اغنيته (مازال حياً من تحبه) : وبالصينية ندعوه حسد الآلهة: إنه شخص موهوب جداً حتى أن الآلهة تحسده.