بهدوء استطاع المخرج الكردي شوكت امين كوركي أن يحفر له اسماً بين مخرجي جيله، من خلال ماقدمه من أفلام استلهمت أفكار الواقعية الايطالية الجديدة .. واشتملت على موضوعات تحكي الواقع الكردي وتنشغل بهمومه. واستطاعت أن تظفر بالعديد من الجوائز العالمية في المهرجانات التي شاركت فيها مثل (عبور الغبار) و(ضربة جزاء).
في آخر أفلامه (ذكريات منقوشة على حجر) يحاول المخرج الكردي شوكت أمين كوركي، كما في فيلميه السابقين وبخاصة فيلمه (ضربة البداية) أن يعمد الى أن يرطب موضوعاته بشيء من الكوميديا التي تنتزع الابتسامة من وجوه حزينة.. الفيلم عن مخرج (حسين حسن) ابن مشغل عرض يقتل على يد عناصر من النظام السابق ، العائد من المنفى تحدوه الرغبة في أن يوثّق بعض مآسي شعبه ويجد في مأساة الأنفال ما يستحق التوثيق، فيتفق مع صديق له على إنتاج هذا الفيلم بتمويل منهما، وتبدأ معاناتهما في البحث عن بطلة للفيلم، وهي معاناة تصل الى حد التخلي عن هذا الحلم لولا ظهور (سينور) الفتاة التي تقبل بتأدية الدور والتي نكتشف فيما بعد أن دافعها، وهي تتحدى العائق الاجتماعي المتمثل بالتقاليد الاجتماعية، أنها تضمر رغبة في أن تستعيد استشهاد والدها في هذه المجزرة التي راح ضحيتها الآلاف.. المخرج كوركي اختار هذا الموضوع بمثل هذه الزاوية ليصيب بحجره أكثر من موضوع عاشته كردستان في العقود الأربعة الأخيرة.
الفيلم وكعادة كوركي يختار موضوعه بدقة ويتعامل مع شخصياته بعناية مخرج محترف، فهو من خلال مسحة كوميدية يمرر هذا الموضوع، فهو لاينصرف مثلاً الى الاسباب التي تمنع مشاركة المرأة بفيلم سينمائي الى تحليل الأسباب الاجتماعية والتاريخية، قدر ما يتعامل معها كمفارقة تحتمل الكثير من المواقف الساخرة، حضور خطيب الفتاة الو موقع التصوير أو مجيء خالها ليصفعها، وحتى مشهد محاولة اغتيال المخرج صورت بكوميدية واضحة. وهكذا مع باقي تفاصيل العمل ... إلا أن ذلك لايذهب بالمشاهد أنه إزاء فيلم كوميدي بل بفيلم ذي قضية مهمة نلاحق حيثياتها بشغف، والكوميديا هي جزء من كوميديا الحدث.
في فيلمه هذا ليس الموضوع جريمة الأنفال، المجزرة التي ارتكبها النظام السابق بحقّ الكرد في إقليم كردستان عام 1988 في عملية عُرفت بـ "حملة الأنفال" ذهب ضحيتها نحو 200 ألف قتيل، وإن كانت الموضوع الذي يشغل كل تفاصيل الفيلم ويعيشه المشاهد في كل الأحداث، لكن كذكرى في محاولة لتوثيقها، فالسجن وهو الموقع الحقيقي تدور فيه معظم مشاهد الفيلم خاصة وأنه احتفظ بكل آثار القمع والاضطهاد التي مورست بحق الشعب الكردي بما فيها ركام السيارات العسكرية، وما كتبه السجناء على جدرانه.
المحور الآخر في فيلم كوركي، بقاء التقاليد الاجتماعية راسخةً حيث لم تتأثر كثيراً بأجواء الحرية وكذلك الفساد المستشري في بعض المفاصل.. فحتى المطرب الذي يعيش في اوربا ويستقدمه المخرج لأداء الدور الرئيس في الفيلم هو مطرب سطحي ويغنّي أغنيات لاعلاقة لها بتراث الكرد في هذا المجال..
فيلم (ذكريات منقوشة على حجر) يحاول أن يتناول واحدة من اسوأ المآسي التي مرت على الشعب الكردي خلال العقود الثلاثة من حكم البعث في العراق بطريقة تنبه الى ضرورة أن يرافقها وعي اجتماعي.