يوسف حيدر هل كان يهدف غسان كنفاني من اعماله الادبية اكتشاف الانسان الفلسطيني الجديد الذي تمثل له بالبطل عابرا نفسية البطل المستسلم عبر البطل المتمرد حتى البطل الثوري!! هذا الفلسطيني الواعي سياسيا كحامل حركة ثورية قومية. تربح "ام سعد" البطلة، المرأة الفلسطينية البسيطة،
نقودها في بيروت من عملها خادمة. وهي تعيش في مخيم لاجئين في بيروت، وقد انضم ابنها سعد الى الفدائيين. وقد تعلمت بان ما يخرجها من سجن المخيم هو فقط الكفاح المسلح لاسترجاع فلسطين. وهي تعرف ان القيادات الاقطاعية والبرجوازية في فلسطين قد فشلت، وانها تعاونت مع المحتلين الاجانب، وان القيم الدينية قد بهتت وتدهورت؟ كما تعرف بان الاثرياء يحاولون افساد العلاقة بين فقراء فلسطين وفقراء لبنان، لقد تعلمت ام سعد هذا، وتعلمه منها ايضا غسان وتبقى ام سعد في مجموعة القصص كلها "ضمير الراوي" وكانت نيته ايضا ان يعيها القارئ، ولكن ما هو بالضبط الدرس الذي تعلمه؟ في مجموعة الام البطلة "ام سعد". اراد غسان كنفاني في تسع لوحات قصيرة ان يتنبأ بانتصار الشعب الفلسطيني. وحسب البنية تشبه "ام سعد"، بشكل لافت المجموعة القصصية الصادرة عام 1968 "عن الرجال والبنادق" وهذه ايضا تجري في تسع صور ويسمى غسان كنفاني المشاهد نفسها لوحة، مع مقدمة وملاحظة ختامية، وفيها ملاحظة خادمة تظهر ام سعد شخصية رئيسية، ومن المحتمل انها الاساس لمجموعة ام سعد (تضم مجموعة عن الرجال والبنادق لوحة من لوحات قصص ام سعد التي لم تكن كتبت (ملاحظة: ام سعد تقول: خيمة عن خيمة... تغرق!) ص 154 من عن الرجال والبنادق. وهذا الانسان الفلسطيني الجديد (التي صاغته ادبيات المنفى الفلسطيني حتى الثمانينيات) موجود هنا. وتجسده المرأة القوية النابعة من الشعب. وقوتها حقيقية وهي اقوى من جيل الافندية والمخاتير. وتتضامن ام سعد مع كفاح الطبقات متجاوزة الحدود القومية. ويعتبر استبدال البطل الثوري بالبطلة الثورية، للجمهور الفلسطيني والعربي، بحد ذاته انجازا ثوريا. وتعادل المرأة الفلسطينية في الوقت نفسه، هنا فلسطين: تجسد المرأة ارض الوطن... ولا يكل غسان حين يشدد على هذا المستوى الرمزي: لام سعد الفقيرة لون الارض الفلسطينية، وتبدو كفاها اليابستان مثل ورق الدوالي، وكل فلسطينية هي ام سعد... وهكذا، والتفكير بموتيفات متوازية في الشعر الفلسطيني يقترب منها، كما نعرفها في اشعار محمود درويش وسميح القاسم وغيرهما تتكون "ام سعد" هكذا من قصص البساطة، التعليمية، وليست الصعوبة في رمزها الذي تحمله، فالقصص التي كتبت عام 1968، طبعت في بيروت عام 1969. وكان الهدف السياسي للنشر ان تعطي الجماهير بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب حزيران 1967 املا جديدا. وقد وجب على فلسطينيي المنفى، مثل كنفاني، في ذلك الوقت، ان يكفلوا بانه مع الهزيمة الكارثية، فقد املهم بان الشخصية الخلابة لجمال عبد الناصر الرئيس المصري يمكن ان تتوصل الى تحرير فلسطين من خلال الجيوش العربية. وفي الوقت نفسه فان المثقفين العرب بعامة والفلسطينيين بخاصة عقدوا املهم على فلسطينيي المنفى انفسهم وعلى منظمتهم م.ت.ف وقد طافت، بشكل غير محدود، بمخيلة بعض المجموعات داخل م.ت.ف حرب الشعب. ان اللطريق الى القدس يتم عبر عمان. وكما ان هذا موح فهو متعدد المعنى. انه يعني: اولا يجب ان يطاح بالانظمة الملكية العربية الفاسدة، قبل ان يتمكن المقاتلون الفلسطينيون من ضرب القوة الامبريالية الصهيونية ضربة قاتلة. وكان المثال على هذا انتصار الفيتكونغ على قوات الولايات المتحدة الامريكية في فيتنام. ولقد حل صراع الطبقات، في الماركسية اللينينية، مكان الايديولوجية القومية الصافية. ويمثل غسان كنفاني الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واحدا من اهم المثقفين الفلسطينيين، في ذلك الوقت، الذي تبنوا التحليل الماركسي لايديولوجية التحرير. وتُرى صورة من ذلك الوقت غسان كنفاني في مكتب تحرير مجلة الجبهة الشعبية "الهدف" وقد علق على الجدران كل صور الثوار: شي جيفارا، هوشي منه، ماركس، لينين. ومع رواية "ام سعد" يخطو غسان كنفاني خطوة اخرى: يجب على الفلسطينيين بعد ان يحاربوا، وعند الضرورة وحدهم، يجب ان يحاربوا من المخيمات في سوريا ولبنان والاردن. ويجب ان يبذلوا حياتهم، فدائيين بايديهم الكلاشنكوف، ولكن عليهم ان يحرزوا، في النهاية، بالاستمرار النصر الاكيد، وقد عبر نقاد الادب العربي عن الفرق بين ادب شعبي حقيقي وادب شعبي مجازي باستخدام مصطلحي ادب شعبي وادب شعباوي، واثاروا السؤال: اين يدرج غسان كنفاني؟ وفي هذه المكانة تقع مشكلة نقد جمالي نادرة اللفظ والخطاب. ويمكن ان توضح فقرة واحدة هذا. يتدرب سعيد الابن الاصغر لام سعد وابو سعد، وهو طفل ثان، يتدرب في المخيم. "اننا نتعلم من الجماهير، ونعلمها، ومع ذلك فانه يبدو لي يقينا اننا لم نتخرج بعد من مدارس الجماهير، المعلم الحقيقي الدائم. والذي في صفاء رؤياه تكون الثورة جزءا لا ينفصم عن الخبز والماء واكف الكدح ونبض القلب. لقد علمتني ام سعد كثيرا، واكاد اقول ان كل حرف جاء في السطور للتالية انما هو مقتنص من بين
ما تبقى لنا.. وعي الخلاص
نشر في: 26 فبراير, 2010: 06:45 م