TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > المتوحد في الضوء المعتم

المتوحد في الضوء المعتم

نشر في: 26 فبراير, 2010: 06:46 م

جمعة اللامي لن أنسى ما حدث في ذلك المساء الصيفي. كانت أجسادنا تعطّ بالتعب والسهر، ونحن نحط أقدامنا في بيروت، بعد رحلة من “إربد”، إلى عمّان، ثم دمشق، بينما كنا لا نصدق أن حياة أخرى قد أضيفت إلينا. في ذلك المساء الصيفي، الذي جمع ما بين أحداث الأردن سنة ،1970
وهموم مجموعة من العراقيين المطاردين بإخفاقات في الاختيار، شاهدت غسان كنفاني، وجهاً لوجه للمرة الأولى في حياتي. وعند طاولة في ذلك المقهى الإيطالي، كان ثمة غسان ومعه أدونيس، يجلسان إلى منضدة يتناولان القهوة، بينما كان أكرم الحوراني يسأل: كيف تركتم القواعد هناك؟ وفي إحدى تلك القواعد، بينما كان الفدائيون الفلسطينيون يتعرضون إلى الخنق، كان منيف الرزاز، ينادي على “الرفاق” في بغداد: “النجدة”، “النجدة”. ولكن لا حياة لمن تنادي. ولم تنفع في شيء مناشدات عبدالوهاب الكيالي أيضاً. قلت للحوراني: “لا يزال ثمة أمل”. كنا شباباً، أكبر من دنيانا العربية الغادرة، ولذلك راودنا أمل بأننا سنجد أنفسنا مرة أخرى في الثورة الفلسطينية. وهكذا، وكأننا انتقلنا من زنزانة الى نافذة، كان تعرفي الى غسان كنفاني في ذلك المساء الصيفي، الذي كان يعني لنا الكثير: كاتباً، وإنساناً، ومناضلاً. كان اسمي قد سبق جسدي إليه. وما هي إلا دقائق، حتى قال لي: تعال إلى “الهدف” غداً. كان جورج حبش، الحكيم الذي دخل إلى قلوب الكثير منا، طريقنا إلى غسان كنفاني. وبعد ذلك، في المكاتب الصغيرة لتلك المجلة المناضلة، عرفنا أن غسان هو الضمير الثقافي لأمل في طور التكوين. إن غسان الكاتب، والروائي، والإعلامي، يكاد يكون مشاعاً في الوسط الثقافي العربي، حتى قبل اغتياله. أما بعد تلك الجريمة فقد غدا غسان موضوعاً للكتابة في أحيان كثيرة، بينما يبقى هو إزاء نفسه، المتوحّد في الضوء المعتم، والإنسان المنخرط في مشروعه، وليس التمثال الذي نصنعه، تماهياً بضعفنا وخوفنا، أو لصناعة بطل نلبسه خيباتنا وبطولات غيرنا. لم يهبط غسان علينا من السماء، كما أنه ليس من إنتاج كاتب سيناريوهات عربية رديئة. انه إنسان مثلنا، يحب، ويغضب، ويعاند، ويهرب. انسان من لحم ودم. وهو ما يفترض أن نرى اليه في استذكارات اغتياله. عن الخليج الإماراتية

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram