TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فارس الوردة

فارس الوردة

نشر في: 10 سبتمبر, 2017: 09:01 م

الموسيقي الألماني ريتشارد شتراوس (1864 ـــ 1949) تميز في إبداعين: في فن "القصيدة السيمفونية"، وفن الأوبرا. الأولى عمل سيمفوني يعتمد حكاية أو نصاً شعرياً أو لوحة، ويتمتع الشكل فيه بحرية تتجاوز صرامة "الشكل" الذي تلتزم به السيمفونية. عُرف هذا الفن على يد الموسيقي الهنغاري Liszt أول مرة، وارتفع إلى ذُراه على يد شتراوس هذا، وله منه "دون جوان"، "دون كيشوت"، "الموت والبعث"، و"هكذا تكلم زرادشت".. أما فن الأوبرا الذي لا يحتاج إلى تعريف فله منه أكثر من 15 عملاً، أغلبها رائع، وكانت موسيقاها مُفتتحاً لاستخدام عنصر "التنافر"، بدل الانسجام، الذي ميز "الحداثة" الموسيقية. كان شتراوس بالغ التواضع، مع علو مقامه. كان يقول عن نفسه: "أنا أفضل موسيقيي الدرجة الثانية"، وهو ليس كذلك بالتأكيد. من أعماله الأوبرالية واحد محبب إلى نفسي هو "فارس الوردة"Der Rosenkavalier   وضعه، بالتعاون مع الشاعر "هوفمانستال" Hofmannsthal ، عام 1911 . شاهدته في دار الأوبرا الملكية عام 1985، وكان معي الراحل نجيب المانع. وأذكر أنه حين خرجنا منتشين، التفت إلي قائلاً: "لعلي أموت الليلة دون أسف، بعد هذا العرض الذي سمعتُ فيه السوبرانو "كيري تي كانَوا" تغني، وجورج شولتي يقود الأوركسترا." وكان نجيب المانع، بفعل اندفاعته المتحمسة، يذهب مع النشوة الموسيقية هذا المذهب دائماً. وكيري انسحبت من العروض الأوبرالية الآن، وانصرفت إلى الغناء الأوبرالي المنفرد. قبل أيام حضرتُ نقلاً حياً عن دار الأوبرا "ميتروبولِتان" في نيويورك، لأوبرا "فارس الوردة" على شاشة سينما في لندن، تقوم بالدور الرئيسي فيها السوبرانو الأمريكية المتألقة "رينيه فليمينغ" Renée Fleming  (مواليد 1959)،  كآخر مساهمة لها في العروض الأوبرالية. ولقد شعرتُ أن صوتها شحبَ قليلاً، وأن دورها الرئيسي غُلب على أمره، وأعطى المخرجُ ثقلاً لشخص آخر رئيسي في الحكاية، لكي يوفر معادلة مقنعة. تتلخص الحكاية، التي تدور في فيينا القرن التاسع عشر، في أن الأميرة "مارشالِن" ذات علاقة حب بالكونت الشاب الملتهب العاطفة "أوكتافيان"، بالرغم من فارق العمر بينهما. يقضيان الليل معاً، وفي الصباح يختبئ في ركن، حين يحضر، على غير توقع، ابن عمها البارون "أوكس" الذي يقاربها سناً. فخور بطاقته الرجولية حد الهلوسة، وهو محور الطابع الكوميدي للأوبرا. وحين تعرف منه أنه بسبيل الزواج من الشابة "صوفي"، ويطلب منها أن تقترح شخصاً يقوم، وفق التقاليد، بدور "الفارس" الذي يقدم "الوردة" الفضية للزوجة الشابة. تقترح له حبيبها "اوكتافيان"، الذي يخرج لهما، خشية اكتشافه، بلباس فتاة وصيفة. يبدأ "أوكس" كعادته بمغازلتها. حين تخلو الغرفة للأميرة تتأمل بقرف خطبة البارون لفتاة في عمر ابنته، ويجتاها أسىً حين تستحضر حبها هي للشاب "أوكتافيان". تُظهر هذه العاطفة له وتنصحه بحب آخر يليق بعمره.في الفصل الثاني يلتقي "اوكتافيان"، الذي يحمل "الوردة"، بالعروسة "صوفي"، وهي في ذروة أساها من زواجها غير المتكافئ، فيتحابان. وفي الفصل الثالث، بعد أن يُفتضح أمر البارون بأنه متزوج، وله عائلة، وبعد أن تكتشف الأميرة "مارشالِن" العلاقة الوشيكة بين "أوكتافيان" و"صوفي"، تبلغ الأوبرا ذروتها في اجتماع العشاق الثلاثة بأغنية ثلاثية بالغة الجمال والشهرة معاً، تبدأها الأميرة:مارشالِن: الآن أو غداً، ألم أقل أنا الحقيقة؟/ أنْ ما من امرأة تفلت من هذا المصير المقدّر؟/ ألم أكن أعرف الحقيقة؟/ ألم أُقسم بأني، بكل تواضع القلب والروح،/ سوف أتحمل وطأة الصدمة.وتنتهي بثنائي العاشقين الشابين: أوكتافيان: الهناءة أعمق من أن تُفهم،/ في المسرة يداً بيد/ تتوهج السنوات المقبلة كالشمس/ أمام عيني.صوفي: هل أحلم بأننا معاً نقف،/ في المسرة يداً بيد؟/ يداً بيد أبداً بلا نهاية. كل شيء داخل بهو السينما يشبه بهو دار الأوبرا. في فرصة الاستراحة يطيب للمشاهدين تناول سندويتش مع الكأس، أو الاكتفاء بعلبة آيس كريم. موسيقى شتراوس تتناوب على الروح بالاستثارة المتوترة، وبالاستسلام لدعة تشبه الحلم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram