TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > أدب غسان كنفاني..وجع المخيم و صرخة المقاومة

أدب غسان كنفاني..وجع المخيم و صرخة المقاومة

نشر في: 26 فبراير, 2010: 06:51 م

مروان عبد العالأوجه شكري الجزيل لمؤسسة تحمل اسم غسان كنفاني. أولاً ، لأنها أتاحت لي فرصة الحديث معكم واللقاء بكم في ميلاده السبعين . وثانياً ، لأنها ارتكبت مغامرة فريدة بدعوتي كسياسي للحديث في أدب غسان، لعلّها أرادت أن تُظهر أمام الحضور حقيقة السياسي وعلاقته بالثقافة، و أودعتني المهمة الخطرة بأن أكشف العمق السياسي للمثقف، كأنها أرادت القول، أن لا ثقافة بلا سياسة ولا سياسة بلا ثقافة.
مغامرتي الأولى، اقترفتها في نادي خريجي الجامعة الأمريكية بالحديث عن غسان السياسي، كون المحتفى به كان قائداً سياسياً وناطقاً باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ورئيس تحرير مجلتها "الهدف"، وعضو مكتبها السياسي . لم يكن يسيراً على من لم يعاصر غسان أن يذهب عميقاً في نضاله، مقالاً ورأياً وموقفاً، وهو الذي استشهد في بيئة سياسية ساخنة. وفي ذروة الصراع، مقاتلاً على مدى الصراع وبأشكاله المختلفة. وفي المحاججة للرأي الآخر داخل الجبهة وخارجها. حتى على صفحات مجلتها الهدف .ومغامرتي الثانية، في الحديث عن أسئلته الفكرية، كونه من صاغ فكر الجبهة السياسي بدعوة من المركز الثقافي السوري في مدينة حلب . منطلقاً من سؤاله المنهجي الفكري... لماذا ؟ وكيف تجلت في أدبه وروايته الخالدة " رجال في الشمس" لماذا لم يدقوا جدران الخزان ؟! ومن مراجعته التاريخية الرائعة لثورة 1936، كجزء من منهج تأصيل الفكر واستيعاب الواقع والماضي والذات، عوضاً عن قراءة الآخر في الأدب الصهيوني، وقراءة أدب المقاومة . واليوم، أيها السادة، تصير المهمة أكثر صعوبة لمن لم يعاشره أو يعرفه سوى من أدبه ومدرسته السياسية. وفي الحديث الأكثر مشقة عن أدب غسان كنفاني، عن صرخة المقاومة ووجع المخيم، كأنها الشمس اللامتناهية، مازالت تشع في ميلاده السبعين وإبداعه في كل يوم أراه، صرخة كبرياء تكفي لاحتقار الألم.. كما أن وجع المخيم اللامتناهي أيضاً، مازال يصيغ فينا أملاً عظيماً.ذلك نحن أمام غسان غير القابل للاختزال، الكاتب المناضل، المثقف المناضل، الأديب المناضل، المفكر المناضل . وليس من باب أن عظمة إبداعه جاءت من كونه مناضلاً أو شهيداً . ولا رؤية ابداعه كقيمة فنية ليس إلاّ أو بمعزل عن أنه مناضل، بل من باب قراءة نصوص في أدبه كانت ومازالت تعكس قيمة نضالية، نعيشها وعياً وممارسة ، كلما استغرقت فيما كتب وبحثت عن أدواته المعرفية والفنية والإبداعية تعرف كم كان مناضلاً ، بل لماذا صار شهيداً ؟؟كل حرف مما كتب عبّر عن سطوع الحقيقة الفلسطينية، وكشف دوره المبدع في صياغة وعي الجماعة وأجيال مازالت تتلمذ على يديه . دخلت في اللغة السياسية من موردها الأدبي، كلمات وحكايات ومفردات ورموز كان له براءة اختراعها وإبداعها ...ففي رواياته المكتملة وغير المكتملة، عكست بمجموعها شكلاً وموضوعاً تأريخ المعاناة الفلسطينية واستوعبت الواقع التاريخي للأمة وكشفت عناصرها المتفاعلة بشتى صورها ومستوياتها وصفاتها الصحيحة والخاطئة، فكانت رسالة تقدمية لكم يا أبناء فلسطين. رسالة للمستقبل، يرفض فيها سجن الماضي فلا يمجّده على حساب المستقبل بل يستلهم منه الفكرة، يعزز الصحيح ويتجاوز الخطأ، أو يحرّض عليه بأسلوب السهل الممتنع .وعلى الرغم من أنني أميل إلى الأسلوب الروائي، الذي يصوّر تيارات الشعور المتداخلة في البطل الواحد أو بين الرموز والأبطال، كما عبّر عنها غسان في رواية " ما تبقى لكم " إلاّ أن غسان كنفاني نفسه اعتبرها قفزة نوعية من ناحية الشكل، لكنها أثارت في نفس الوقت تساؤلات بالنسبة له " لمن أكتب أنا "؟ .لكني أقول أن رموزها مازالت تتحرك في الوعي الأدبي حتى اللحظة، الصدى، الصحراء، الجدار، صورة البومة، الساعة المعلقة على الحائط ، إشارة إلى موت الزمن. وعلّها أدوات أعاد صياغتها غسان في رواياته اللاحقة .واستنتج يومها الخلاصة التالية : " ليس بالضرورة أن تكون الأشياء العميقة معقدة. وليس بالضرورة أن تكون الأشياء البسيطة ساذجة.. إن الإنحياز الفني الحقيقي هو: كيف يستطيع الانسان أن يقول الشيء العميق ببساطة ". على الرغم من قناعتي أن الواقع ليس بسيطاً أو لم يعد، فنحن على مسرح اللامعقول كلما أزداد العبث وتأسطر الواقع، أذهب إلى فلسفة غسان كنفاني إلى مسرحية "الباب". التمرد الميتافيزيقي للإنسان واصطدامه بالموت.. كحقيقة وحيدة التي تحول بينه وبين الألوهة، إلى ذاك التمرد الذي يغلي في عمق ووجدان الأمة هذه الأيام. وأفسر كيف أن شداد، بطل المسرحية، ينتمي لسلسلة من الأبطال المتمردين، فأبوه من قبل قد تمرد على سلطة هبا... وابنه يحمل بذور ذات التمرد في صدره ، وشداد الذي بنى مدينة آرم لينافس بها جنة الرب يقول لأمه أنه يعزم :" أن لا أرتد حتى أزرع في الأرض جنتي أو اقتلع من السماء جنتها أو الموت أو نموت معاً ".كلام يخلق قواعد الحياة في رقصة الموت الجماعي، كأنه يتماهى بفعل استشهادي، نريد أن نرى فلسطين حرة، جنة الأرض، أو ننال الشهادة في السماء.. هي حكاية تعيشها فلسطين وشعبها اليوم. نقتلع من السماء جنتها أو الموت أو نموت معاً.. الحرية أو الموت . رافضاً خيار الخلاص الفردي، عبر الفرار من الوطن، كونه شكل من أشكال الموت كما في "رجال في الشمس".لكن غسان لا يريد أن ننتظر معجزة السماء للخروج من الم

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram