قيس الزبيدي مع أن عملية إعداد أو اقتباس الرواية كنوع من الأنواع الأدبية المختلفة إلى السينما، قياسا الى التأليف المباشر للسينما، هي عملية إشكالية ومحفوفة بالمثالب، بسبب من طبيعة وخاصية السينما والأدب، ونعني فيه هنا الأدب السردي والدرامي: رواية، قصة، مسرحية، إلا أننا نجد أن الإنتاج السينمائي العالمي يعتمد على مثل هذا الأدب في الغالب.
وإذا ما عدنا الى السينما العربية نجد أيضا تلك الأفلام الكثيرة التي أعدت عن روايات معروفة ومنتشرة كتبها نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس وحنا مينا وغسان كنفاني وكثيرون غيرهم، لماذا؟.. السؤال بسيط لكن الإجابة ليست بسيطة. لنذكر هنا فضيلة للأدب تفرض نفسها على السينما، حرية الاختيار لحكايات وشخصيات ومشاكل وأزمان ماضية وحاضرة متنوعة ومادة درامية من الماضي والحاضر، كل هذا في متناول اليد، يبقى لماذا يتم الاختيار وكيف يتم الإعداد أو الاقتباس أو الترجمة: وذلك وفقا للمفهوم الذي ينطلق من أن الترجمة تتم من لغة الأدب والمسرح إلى لغة السينما والمحادثة اليومية. rnغير أننا نفضل استعمال مصطلح تحويل من علامات وسيط الى علامة وسيط آخر. وهنا سيأتينا سؤال آخر: الى أي مدى يكون التحويل ممكنا أو غير ممكن؟ سؤال بسيط آخر يحتاج الى إجابة صعبة. لكن علينا أن نتذكر التأثير الذي مارسته السينما على الأدب، فبعد انتشار السينما لم يعد كتاب مهمون يسردون كما فعل غيرهم من قبل. أيضا مارس أدب هؤلاء الكتاب التأثير على غيرهم من الكتاب، يعترف غسان كنفاني بتأثير وليم فوكنر على كتابته ومحاولته للاستفادة من الأدوات الجمالية والإنجازات الفنية التي حققها الكاتب الأميركي لتطوير الأدب العالمي. وهكذا، إذاً، أصبح أمامنا روايات مسرودة وفق تقنيات المونتاج، تعدد جهة السرد، العناية برسم بصرية سينمائية، العناية بالبناء الزمني للأحداث، ليس على أساس التعاقب فقط وإنما أيضا على أساس التوازي والتزامن، وربما علينا بالمقابل أن نذكر هنا بدخول المسرح الى الإذاعة في البداية ودخول الإذاعة الى التلفزيون، وبشكل خاص الى بنية المسلسل الدرامي، حيث يهيمن في سرد حكاية المسلسل الحوار يمكن للتحليل المقارن أن يوضح العلاقة المتبادلة بين العمل الأدبي كوسيط وبين السينما (وربما الأفضل أن نقول الفيلم) وذلك من زاوية ما يسمى المتشابهات والمتفارقات في وسيلتي سرد مختلفتين بهدف تبيان علاقاتهما ومزاياهما، ولا يكون الهدف من ذلك مجرد الرغبة في المعرفة، وإنما بدافع الوصول الى تلك المعرفة التي تساعد على إنجاز كتابة مناسبة للسينما. فليس كل أدب يصلح كمادة تحويل للسينما، لأن السينما ليست وسيلة سرد هدفها إيصال الأدب أو المسرح أو حتى الشعر، لأن المشاهد في حالة السينما، كمتفرج، يختار الفرجة، وفي حالة الأدب، كقارئ، يختار اللغة (عرف الشكلانيون الروس الأدب بأنه: فن الكلمة) وفي حالة الشعر يختار، كمستمع، تلقي الدلالة عن طريق السماع. حصيلة السينما في اعتماد روايات غسان، هي حتى الآن، أربعة أفلام روائية عن ثلاث روايات، هي على التوالي كالتالي: رجال في الشمس (فيلم المخدوعون)، وما تبقى لكم (فيلم السكين)، وعائد الى حيفا (فيلم عائد الى حيفا وفيلم: المتبقي). أما بالنسبة للفيلم القصير المقتبس من أدبه، فهناك الفيلم الروائي القصير )زهرة البرقوق( عن رواية (برقوق نيسان)، والتمثيلية التلفزيونية )وصية أم سعد( عن رواية (أم سعد)، و)البرتقال الحزين( عن قصة )أرض البرتقال الحزين(. وقد انتشر التباس في أدبيات السينما عموما، حيث اعتقد أن الفيلم السوري الأول )رجال تحت الشمس( مأخوذ عن رواية كنفاني (رجال في الشمس) غير أن سيناريو هذا الفيلم، الذي يتضمن ثلاث قصص عن المقاومة الفلسطينية، كتبت قصصه الثلاث مباشرة للسينما، وحمل الفيلم عنوانا مشابها تقريبا لعنوان رواية كنفاني. تبقى الأفلام التي تطرقت الى شخص غسان كنفاني كمفكر وإنسان وشهيد، وقد استطعنا حتى الآن أن نوثق منها: )لماذا المقاومة؟( )لن تسكت البنادق(، )الكلمة البندقية(، )أوراق سوداء(، )أبداً في الذاكرة(. إذا ما التفتنا الى الزمن الذي أنتجت فيه تلك الأفلام، فسوف نفهم أيضا الدافع وراء اختيار بعض روايات غسان كنفاني للسينما، الذي لم يكن بسبب نوعية رواياته، وإنما بسبب القضية التي تناولتها رواياته، أي فلسطين، ويقول غسان كنفاني بهذا الصدد: )ان فلسطين تمثل العالم برمته في قصصي(. أما بصدد رواياته فيقول: )إن شخصيتي كروائي كانت متطورة أكثر من شخصيتي كسياسي، وليس العكس(. إن تفيلم الأدب عمل لغوي إبداعي من نوع مختلف، خاص ومميز، لا يتماثل بطبيعته مع العمل الأدبي الذي يعتمده كمصدر للإعداد، على هذا تنشأ ضرورة الابتعاد في عملية التفيلم عما يسمى الترجمة المباشرة والنقل التقني الحرفي للنص الأصلي. يعرف تاريخ السينما محاولات جرت، بهدف تحويل عمل روائي الى فيلم سينمائي بأمانة كلية أي صفحة بعد صفحة. على أن هذا الاختلاف لا يقود بالضرورة الى التنكر لروح النص الأدبي. لقد كانت القضية التي تؤرق غسان كنفاني في كتابة الرواية، هي فنية الشكل، وإذا ما عدنا الى أعماله أو عدنا الى دارسي أعماله، لوجدنا أنه لم يستعمل في كتابته تقنية واحدة ولا شكلا موحدا، بل على العكس من ذلك، كان لا يكرر شكلا روائيا، بل يحاول أن يطو
غسان كنفاني في السينما
نشر في: 26 فبراير, 2010: 06:54 م