اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > سمواً بعالم "اللا عنف".. نصب النحّات "نجم القيسي" يُرخي فكاك العنف

سمواً بعالم "اللا عنف".. نصب النحّات "نجم القيسي" يُرخي فكاك العنف

نشر في: 16 سبتمبر, 2017: 12:01 ص

 ليس من فعل مباشر في الحياة -عموماً- كما فعل الحرب الذي يرى فيه "بول فاليري" على مجرد كونها : "مجزرة تدور بين أناس لا يعرفون بعضهم البعض لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض ولا يقتلون بعضهم البعض." كما لا يمكن  للإنسان النظر بشكل مباشر إلى شيّئي

 ليس من فعل مباشر في الحياة -عموماً- كما فعل الحرب الذي يرى فيه "بول فاليري" على مجرد كونها : "مجزرة تدور بين أناس لا يعرفون بعضهم البعض لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض ولا يقتلون بعضهم البعض." كما لا يمكن  للإنسان النظر بشكل مباشر إلى شيّئين هما "الشمس والموت".

فيما يختلف أمر النظر للعنف، وفقاً لتبريرات ظروف هذا الطرف، أو دفاعات الطرف الآخر، تبعاً  لزوايا ومشاهد متعددّة وتشوّفات فكريّة وفلسفيّة  تستدعي منا التوّقف وتسترعي التملي والتأمل والانتباه لما يشكلّه ذلك المفهوم الظالم عبر خلاصات تأريخه القديم قِدم الإنسان نفسه، من أثر تفاعل عدة سلوكيات شائنة وتصرّفات شريرة تقف أفضلها في مراتب الحطّ من قيمة الإنسان وكرامته وحقة في العيش الكريم، وليس أدل من مقولة "غاندي" الأسم الأسمى في هذا المجال النضالي وهو يدلي مُوضحاً: "أن جوهر فلسفة اللا عنف يكمن في المجاهدة للتخلص من الأحقاد لا الحاقدين".
لقد ساند الفن منذ نبوغ وجوده الجمالي ومحافله التحريضيّة في حياة الحضارة كل مساعي الخيّر وفرض هيبة وروح  السلام ورفرفات رايات التسامح وتعانقات المحبة، كما سعى و يسعى للتضيّق والحدّ من بسط نفوذ وهيمنة الظلم وتطويق كل منافذ العنف وردم متوالياته وحقيقة أشكاله، ولنا في حمامة "بيكاسو" - في عصرنا الراهن- أسوة التذكير بشهرة هذا الطائر ومدى اقترانه بأفاق وفضاءات التوادد والتآخي والسلام، كما لنا في نبذ العنف من خلال دلائل  نصب "المسدس المعقوف" للنحّات السويدي "كارل فريديرك رويترز ورد" ما يوازِ ويحادد  ويشّد من قوة الأثر الفعلي والمعاصر في مساعي الحث والتذكير والفرز ما بين تعسفات "العنف" وما بين رحائب عوالم "اللا عنف"، بعد أن نصغي لصوت من قال من الحكماء : "الفيلسوف و الفنّان... هما طبيبا الحضارة".
ما بعد.. شهداء الأهوار
بوضعه لبنى خواص وإنشاء معالم تصميم وتنفيذ أفكار نصبه الجديد والمعنون بـ" اللاعنف" يكون النحّات "نجم القيسي" قد آثر - مجدداً بعد نصبه "الرايّة العراقيّة" في العام/ 2008 في إحدى أهم ساحات بغداد، ونصبه العملاق "شهداء الأهوار" في منطقة الجبايش في العام/ 2012- على تصدير حمم تفاعله وتناغم  انفعاله الحيوي والموضوعي صوب مخارج تجربته اليوميّة والحياتيّة والتي أختار لها أن تنمو وتتسع  لتلامس هواجس ومرامي فلسفيّة واجتماعيّة وكونيّة جادت تداني تلك الأفكار الكبرى بغية أن تسمو بقيمة الإنسان لما يصبو ويستحق .
لعلّ رسالة الباحث والمفكر " د. عبدالحسين شعبان " نائب رئيس جامعة اللا عنف وحقوق الإنسان " أونور" لبنان / بيروت ، التي خصّ بها النحّات بعد الاطلاع والتقييم لهذا النصب الذي يُعد الأول من نوعه في العراق والمنطقة، يلخص بعض مقاصدنا في التقييم العام لهذا العمل  من قبلنا -أيضاً- لنقرأ نص الرسالة:
 " الأستاذ الفنان نجم القيسي المحترم ...............
تحية طيبة :
سلمت يداك على المنجز الرائع الذي يضع الجمال في مواجهة القبح، والفن في مواجهة العنف، والسلام في مواجهة الحرب. ولعلّ قيمته تمثل انحيازاً للقيم الإنسانية والجمالية الخيّرة.
أحييك وأرجو أن أرى هذا العمل المفعم بالإنسانية في ساحة عامة أو مرفق ثقافي وحيوي. ولتتضافر جهود الجميع من أجل نشر ثقافة اللاعنف  
وقد سررت لأن الصديق المبدع حسن عبد الحميد أطلعني عليه، فله الشكر والتقدير أيضاً.
أصافحك مع المودة
د.ع شعبان
بيروت
 -22آب /2017  "
هنا ... تتوارد الخواطر وتتلاقح  الأفكار وهي تدور في  فلكٍ واحدٍ هو إعلاء شأن "قيمة الإنسان العليا" - كما أشرنا من قبل ونوهنا -، من أجل ترصيف وتوحيد خطوات الفكر التنويري والمواقف النبيلة مع تعاشقات قدرات وتحفيزات الفن كما في بنية ونيّة هذا النصب الذي توالد من طبيعة  سلامة التفكير الخالص ما بين رغبات ونوايا الموسيقار "نصير شمه" من حيث كونه - أيضاً، فضلاً عن عبقرية فنه في الموسيقى- سفيراً للسلام في "اليونسكو" وما بين تلميحات وتقصدّات النحّات "نجم القيسي" في تطويع مواهبه جنباً إلى جنب مع مشيئة ومقدرات الجهود الحثيثة الساميّة والواثقة من أهمية التفعيل والتروج  لمبدأ  "اللاعنف" إلى جانب أكاديميّة  تفرّسات مساعي "د. شعبان" كباحثٍ مختص ومحللٍ حصيف وعالم  مُفكّر .

الحضور الوحشي والمخيف
أجرى النحّات "القيسي" جملة إجراءات فكريّة وتقنيّة حاولت التوّقي والابتعاد عن أثر تسلط  فكرة العنف بحيثيات شكلها المباشر بأكثر مما ينبغي، وأن ما يجدر أن  نُلّمح به  مجدداً -هنا- هو حقيقة فعل  مباشرة "الحرب" ضمن شرطها الوجودي وتداخل  وقعها  النفسي والإنساني، كما وسعى الفنّان إلى توصيل فكرته وفق معطى مفصلي وتداولي في خصوصية منح "القنبلة"  هذا الحضور المخيف والوحشي والمنفر، لكي يعززّ من مكامن الخوف  والتحذير من مغبة  الساعين وفضح  نزعات  المتربصين والموّرجيّن  لكل أشكال الموت ومحاولات الترهيب، حتى إنه بالغ في تكثيف حجم  وجودها  التناسبي وبما يعادل ضعف أضعاف "الفكَر"  الإنسان الذي أعتلى صهوة تلك القنبلة القذرة بروح وثّابة لكي يمنع فعل توقيت الانفجار القاتل والمميت بكل ما يملك من طاقة وتوافر قناعة راسخة  كانت قد الهمت روح  الفنّان- أصلاً-  بتصدير انفعالاته التعبيريّة وضخ  خواصه التحليليّة في خِضم  توصيل هكذا نوع من العلاقات والأفكار الصعبة في عوامل  الفرز والفصل  ما بين الترميز ونواحي التأويل وما بين حتميّة الوصول بالفكرة الواقعيّة  إلى أكثر عددٍ من الناس وإلى أوسع رقعة من المشاهدة، كونها "أي الفكرة " هي مهمة كونيّة ورسالة عامة وعالمية لا تنحسر غاياتها في مكان معين أو زمان محددّ  بعد أن أضحت القنبلة أو المسدس ومن يدانيها منزلة من أدوات القتل والموت والعنف ضمن مُدّخرات ومحتويات الشعور الجمعي، لذا جاء التركيز مرصوداً ونابعاً من تعبات زوايا النظر "للثيمة" الرئيسة عبر مداخل ذلك الوضوح المدروس  والمقصود.

جدل الحركة و زحف الزمن
شاء للنحّات أن يُبرّز من شدة الحزوز والبروز على جسد  قنبلته بميل واضح  لفرض نوع من مبالغة  واعية و مقبولة ومحسوبة، بغية أن يجعل من شكلها مقرفاً و مقززاً وجاداً  في فضح خسة ما في داخلها من مكامن موت وإعاقة ، فيما على الجانب الآخر يجاهد الإنسان وهو عارٍ كما ولدته أمه  في إيحاءٍ وإبلاغٍ فلسفي دال على نقاء وبراءة الإنسان حين يولد و يبصر نور الحياة من دون أدنى أحقاد ونزعات عنف وعدوان، فهو خالٍ - تماماً- من أية  درجة من درجات ومناسيب العنف الذي سيتوالد مع تقادم أيامه وجواحد  حاجاته.
شكلّت الحركة ولحظات الإحساس بوطأة ثقل تباطأ الزمن الذي سعى إلى إيقافه إنسان نصب " اللاعنف " الذي خصه "نجم" بعقارب الساعة مكتفياً بميلين، يشير "الميل" الاول إلى الساعة الثانية عشرة وهي ساعة الصفر كما هو معروف في توقيت المتفجرات وما يقاربها من حالات حسم ، فيما يشير "الميل" الثاني - تقريباً- إلى العاشرة  والذي  حاول "الفكر" العاري منعه بقوة وإصرار حجم الطاقة الإنسانيّة الموروثة لديه في حبّ الخير والسلام، و بوادر السعي المضني للحيلولة دون وقع شبح هذه الكارثة المتوقعة، في نسق  تتابعي محكوم  بتوريد فعل النبض الدرامي وسياق الحركة الفعليّة والداخليّة التي منحها "نجم" لمنحوته التي أراد لها أن تبدو  للمشاهد  غير مستقرة وغير مسندة على أية قاعدة متبعة في عالم وهواجس النحت  التقليدي، أملاً بالوصول الناجح والناجم عن تكثيف  زيادة قوة وملكة التأثير في ما يخص أصل وجوهر نصب "اللاعنف" وبالطريقة والمعالجة الشاخصة التي تؤهل هذه المساعي والغايات التي تتصاحب فيها عوامل الجمال المعبّر والحقيقي مع  قوانع "جمع قناعة"  العلاقة الواجبة في الدفاع عن ذلك الجمال من خلال منع وقمع كل أنواع وأشكال القبح والتقليل من فرص تفشي العنف ومتوالياته الشريرة، وما تبغي أن تلخصه هذه العبارة:" لعلّ سرّ المتاعب هو رغبتنا  في الحياة... وإن سّر الراحة هو قتل أو كبح  تلك الرغبة ".

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram