جملة المعطيات على الأرض وفي الخيال أيضا، كلها تشير الى ان قيام الدولة في كردستان مسألة تتعلق بالزمن لا غير، وسواء أجري الاستفتاء او لم يجر فهو فعل محسوم النتائج، فالحس الشعبي والشعور العام بوجود الوطن القومي والدولة القومية يعتمل في الذات الكردية منذ عقود، وهو اليوم أقرب الى التطبيق بغض النظر عن حجم ما يجنيه المواطن من ذلك، نحن في الشرق قد لا نذهب في تفكيرنا الى ما نجنيه اقتصاديا واجتماعيا أزاء ما ينفعل داخل عواطفنا ويحرك احاسيسينا، منغّمين بشعور جاءنا عبر القصص والاخيلة.
وبعيداً عن التصورات والتهيؤات التي ستشكل صورة الدولة بكردستان، هناك شعور لدى الاوساط الشعبية والنخبة ايضاً يقول بان العلاقة بين بغداد والاقليم لم تعد قائمة على أساس المشاركة، وفكرة الوطن المشترك اصابها الكثير من التمزق، يحرك ذلك شعور شعبي متبادل بين شعبي المنطقة العربية والمنطقة الكوردية، ففهم شعبي كردي يقول بأن بغداد (انشغلت) بالمنطقة العربية من العراق وأهلمت واستثنت كردستان من اهتماماتها، يقابله شعور عربي بأن كردستان استنزفت الاقتصاد العراقي من خلال حصتها في الموازنة. ومهما قيل في ذلك تبقى صورة الاقليم العمرانية شاهدا على فشل الحكومة الفدرالية في خلق التوازن هذا، الامر الذي ولد الحسد والنقمة عند عموم سكان الوسط والجنوب العراقيين مثلما ولد شعور بالتفوق والاهمية عند الكرد بضرورة التخلي عن مركز متخلف، لم يستطع تأسيس دولته وإعادة انتاج نفسه.
سياسة ناعمة وخطى متأنية ترافق عملية الاستفتاء في كردستان، وما يفحصه المتابع لكلمات والاوراق البحثية في (ملتقى الديمقراطية وحق تقرير المصير) المنعقد في مدينة السليمانية يشير الى أن القادة الكرد يفكرون بما تحقق لشعبهم من مكاسب وحياة ورغد وعمران في مدنهم، اكثر مما يفكرون في استعجال الخطى لإعلان الدولة، في يقين بان الزمن يجري لصالحهم، يرشدهم في ذلك فشل حكومة المركز في ادائها، وتحولها من حكومة وطنية الى حكومة قائمة في كثير من مفاصلها على أساس طائفي، تحت دستور معاق في أكثر فقراته مع سلطة تنفيذية غير قادرة على اتخاذ قرارت قوية لصالح اعادة بناء الدولة على اسس وطنية واقتصاد قوي.
من غرفته في أي فندق بالسليمانية يتمكن السائح من رؤية مدينة جميلة واعدة في نهضتها، لكن الصورة لا تتجاوز الفنادق والمولات والمتنزهات والشوارع النظيفة، ياترى هل بامكان الصورة تجاوز ذلك الى نهضة في قطاعات الصناعة والزراعة مثلا، هناك فجوةعميقة بين الصورتين. ومن جانب آخر، يلاحظ السائح أن الكرد يستفيدون من القرارات الأممية في حق تقرير استقلالهم لكنهم يواجهون رفضا دوليا واقليميا، ولم يجدوا نصيرا لهم سوى في أصوات شعبية قليلة، وهم يستفيدون من فشل حكومة بغداد في إدارة شؤون العراق، لكنهم يتطلعون الى حصتهم في الموازنة، يرسلون رسائل متحضرة الى الاقليات في الاقليم يقولون فيها بان شكل دولتهم لن يقوم على أساس قومي، وهي حاضنة للعرب والتركمان والايزيدية والصابئة والشبك والمسيحيين لكن الرسائل هذه غير واضحة تماماً. فضلاً عن فهم عربي في الوسط والجنوب مفاده ان الكرد إنما يسهمون جراء الاستفتاء في تقسيم العراق على الرغم من رفضهم لمثل هذا الفهم. ما يمكننا ان نستخلصه اننا ازاء مرحلة سياسية جديدة نتمنى ان لا يكون فشل حكومة بغداد سببا إعلان الدولة الكردية وفي تقسيم العراق أيضاً.
الاستفتاء في كردستان
[post-views]
نشر في: 16 سبتمبر, 2017: 09:01 م