سيكون لطيفاً أن تكون تقدمياً، يقول الكاتب الأميركي وليام كريستول في مقاله هذا. فسوف تكون واثقاً من أنك تعرف الاتجاه الذي يتحرك فيه التاريخ. وسيكون لديك إيمان بأن الاتجاه الذي يتحرك فيه التاريخ هو الاتجاه الذي ينبغي أن يتحرك فيه.وهكذا ستفكر بأن السياس
سيكون لطيفاً أن تكون تقدمياً، يقول الكاتب الأميركي وليام كريستول في مقاله هذا. فسوف تكون واثقاً من أنك تعرف الاتجاه الذي يتحرك فيه التاريخ. وسيكون لديك إيمان بأن الاتجاه الذي يتحرك فيه التاريخ هو الاتجاه الذي ينبغي أن يتحرك فيه.
وهكذا ستفكر بأن السياسة سياقة في طريق عام نحو المستقبل. وستتضمن قراراتك على الأرجح متى تدوس على البنزين أو متى تكبح الفرامل في حينه. وقد ترتكب أخطاءً عرَضية في قرارك بالإسراع. لكن الاتجاه لن يشكل لك مشكلة. ففي نهاية اليوم، ومهما كانت فوضى العالم الواقعي ولا جدوى بعض اختياراتك، سنكون واثقاً من أن التاريخ صار وراءك.
لكنك ستكون عللى خطأ.
فماذا، من ناحية أخرى، لو كنتَ واحداً من أولئك الذين يعرفون أن هناك أموراً في السماء والأرض أكثر مما يُحلم به في التعليم التقدمي؟ لكن ماذا لو أنك أيضاً عرفتَ أن اعتناق ما هو مضاد للتقدمية ببساطة ليس بمرشد كافٍ؟
قد تخبر نفسك أنك تستطيع أن تتعلم من التاريخ. تقول لنفسك إن أولئك الذين لا يتذكرون الماضي محكومون بتكراره. لكنك تعرف بالطبع أيضاً أن تذكّر الماضي ببساطة ليس كافياً لتجنب أخطاء جديدة؟ فبعد كل شيء، الماضي هو ... الماضي.
وهكذا على سبيل المثال: قد تتساءل عما إذا كانت رئاسة ترامب تنحدر في مسلك كمسلك جيمي كارتر، أو ريتشارد نيكسون، أو ليندون جونسون. وجميعها مرشدات نافعة إلى حصائل ممكنة. لكن ترامب نفسه مختلف بدرجة كافية عن سابقيه هؤلاء، وكذلك الأوقات والظروف التي تغيرت إلى حدٍ كافٍ، بحيث يشك المرء في أن تمضي حلقة ترامب بنفس الطريقة التي مضت بها النماذج الآنفة الذكر. والإرشاد الذي يوفره التاريخ هنا محدود.
مثال آخر: قبل أكثر من شهر، كان هناك حديث في بعض دوائر ترامب عن توفيع بيان يدعو الرئيس ترامب إلى الاستقالة. وقد فكر عديدون أن هذه فكرة سيئة، مقررين أن ذلك غير عملي إلى حد أنه سيبدو تصريحاً بالعجز. لكن ماذا لو أن الشيء الوحيد الأفضل الذي يمكن أن يحدث للبلد، سيكون بالنسبة لترامب أن يستقيل؟ لماذا عدم التفكير بجدية أكبر في ما إذا كان أمر كهذا قد يصبح ممكناً وكيف يمكن أن يوضع أساس لمثل هذه الاحتمالية؟ هل هو تقصير في الواجب أن لا يتم العمل باتجاه حصيلة كهذه؟ ومثل هذه الحصيلة، بعد كل شيء، هي ما كان سيدفع إليه الناس المدركون لو كنا نعيش في نظام برلماني. فلماذا لا نستعير صفحة من البريطانيين؟
وماذا عن المحافظة؟ هل سيكون جزء من الحركة المحافظة مدفوعاً بسبب ترامب إلى حزب ديمقراطي مجدَّد، مثل الليبراليين الذين أصبحوا محافظين جدد وجدوا لهم مكاناً في الحزب الجمهوري في أواخر السبعينيات؟ ذلك أمر يبدو غير محتمل إلى حد كبير: فاستضافة الحزب الديمقراطي اليوم لمحافظين مضادين لترامب أقل من استضافة جمهوريي ريغان للِّيبراليين المضادين للشيوعية ولليسار الجديد آنذاك. فماذا عن تجديد الحزب الجمهوري القديم كحزب للحرية والأخلاق الحميدة؟ يبدو هذا ممكناً وإن كان صعباً. لكن ماذا لو انه فشل؟ ماذا بعدُ؟ أتشكيل حزب محافظ جديد؟ أو واحد وسطي جديد؟ أو حزب حرية يكون محافظاً وليبرالياً في وقت واحد؟ إن أي مشروع جديد من هذه المشاريع سيكون مهمة تتّسم بالتهيّب.
لكن ما البديل؟ الاستسلام لمستقبل متجهم حيث يكون الخيار بين سياسة دونالد ترامب وبيرني ساندرز؟
في كانون الأول 1862، قال الرئيس أبراهام لينكولن للكونغرس، "إن مبادئ الماضي الهادئ غير ملائمة للحاضر العاصف. والوضع متراكم الصعوبات، وعلينا أن نرتفع مع الوضع. ولأن حالتنا جديدة، فإن علينا أن نفكر على نحوٍ جديد، ونتصرف بطريقة جديدة. يجب أن نحرر أنفسنا، ومن ثم ننقذ بلدنا. "
ومن دون أن نقارن تجاربنا بتلك التي واجهها لينكولن، فإنه ربما كان وقتنا هذا هو الوقت الذي تكون مبادئ الماضي الهادئ فيه غير ملائمة للحاضر العاصف. نوعاً ما، كان دونالد ترامب أول من يُحس بهذا. فلأنه ديماغوغي موهوب، كان في مقدمة السياسيين الأكثر تهذيباً واحتراماً للتقاليد. فقد استمروا في انجذابهم لمبادئ الماضي الهادئ، التي كانت في بعض الحالات قد خدمت البلد جيداً. لكن في اللحظة الجديدة التي نعيش فيها، تُرك السياسيون الآخرون في الغبار.
وكنتيجة لذلك، فإن لدينا رئيس ليس جديراً كما يظهر بالمنصب، وحزبان سياسيان لا يبدو أن لهما صلة كبيرة بما يحدث، وقدر مخيف منا محللون وعلّامات تشكلَ فكرهم في عصر مختلف. إن العالم اليوم خطير بطرق جديدة، وسياستنا وثقافتنا مضطربتان راديكالياً. والوضع متراكم الصعوبات. وعلينا أن نفكر على نحوٍ جديد.
وسيكون لطيفاً إذا لم تكن هكذا هي الحال. لكنها هكذا.
عن/ weekly standard