الاستشراق الأمريكي: الولايات المتحدة والشرق الأوسط منذ 1945 " آخر إصدارات المركز القومي للترجمة بالقاهرة الذي يترأسه د. جابر عصفور . الكتاب من تأليف الكاتب الأمريكي دوجلاس ليتل ،وترجمة وتقديم الكاتب والمترجم المصري القدير طلعت الشايب.
"يبدأ هذا "السَفر الضخم" (730 صفحة) بمقدمة المترجم التي يذكر فيها أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما زار الشرق الأوسط بعد ستة شهور من توليه منصبه، حاملاً خطابا مختلفاً . جاء ،كما قال ، باحثا عن بداية جديدة بين بلاده والعالمين العربي والإسلامي . قال إن جزءاً من مسئولياته هو التصدي للصورة النمطية السلبية عن العرب والمسلمين فى بلاده ، نافيا كذلك أن تكون الصورة النمطية عن أمريكا الإمبراطورية حقيقية.تطرق إلى أمور محددة يعتقد أن "علينا معا" مواجهتها بجهد مشترك . لم يتحدث بلغة:نحن" و"هم" .خرج عن قاموس سلفه والمحافظين الجدد ومصطلحاتهم الغاشمة مثل" محور الشر" و"الدول المارقة" و"الخطر الأخضر" و"الفاشية الإسلامية" ،وغيرها .لم ينس أوباما ان يستشهد بآيات من القرآن الكريم ثلاث مرات.هل هي بداية جديدة حقا؟.الكتاب الذي بين يديك يتقصى جذور الاستشراق الأمريكي ، ويعرض لك قصة العلاقة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ،بما يؤكد أن خطاب الرئيس الأمريكي الرابع والأربعين من جامعة القاهرة لم يكن سوى تنويع على لحن أساسي ،وحلقة جديدة من مسلسل النموذج الأمريكي للاستشراق بإخراج مبهر، أو قل هى خمر قديمة قدمها في آنية جديدة ، في صحة سياسات ثابتة تتنوع أساليب التعبير عنها مع تغير الظروف والأحوال ..والرؤساء.هذه هي خلاصة مقدمة طلعت الشايب التي كان قد استهلها بفقرة دالة للكاتب الأمريكي هيرمان ميلفيل صاحب الرواية الشهيرة موبي ديك.وتقول الفقرة:"نحن الأمريكيين متفردون وشعب مختار . إننا إسرائيل زماننا . نحمل سفينة حريات العالم .لكم تشككنا في نظرتنا إلى أنفسنا ،وطالما ساورنا سؤال عما إذا كان المسيح السياسي قد جاء. ولكنى أقول الآن إنه قد جاء متمثلاً فينا ،ولا يبقى سوى أن نعلن خبر مجيئه".عبر تسعة فصول كبيرة يتتبع الباحث مسيرة الولايات المتحدة(بعد الحرب الثانية) تجاه الشرق الأوسط ،للسيطرة على البترول وعلى الأنظمة وعلى العقول .وما طرأ على هذه المسيرة من تغييرات في الخطط والتكتيك والأساليب داخل الهدف الاستراتيجي الأكبر: السيطرة . فمن الحرب الباردة إلى الحرب الساخنة ومن مساعدة الأنظمة الفاشية إلى مساعدة الأنظمة القومية ،ومن مساعدة الأنظمة الدينية السلفية إلى مساعدة المنظمات الإرهابية السلفية ،ومن مقاومة "الخطر الأحمر" إلى اختراع مقاومة "الخطر الأخضر" ومن الفوضى الهدامة إلى الفوضى الخلاقة.عندما توقف "جورج دبليوبوش" في "ايوا" فى يناير2000 أثناء حملته الانتخابية ، ألمح إلى تغير لون الخطر الذي يواجه الولايات المتحدة من "الأحمر" (الشيوعية العالمية) إلى " الأخضر" (الإسلام) وفى الوقت نفسه كان مفكرون ومثقفون ومستشرقون أمريكيون مثل برنارد لويس وصمويل " هنتجتون ودانييل بايس يعتبرون الإسلام الراديكالي أخطر الإيديولوجيات الشمولية في القرن العشرين ، وينحون باللائمة على إدارة كلينتون التي أولت العولمة الاقتصادية اهتماماً زائداً وأغفلت الأصوليات الإسلامية.قبل ذلك ،كان بوش الابن ،عندما فشل أبوه فى الحصول على فترة ثانية وخسر أمام كلينتون عام 1992 ،يعتقد أن السبب الرئيسي فى ذلك الفشل هو عدم قدرة الأب على تعبئة القاعدة المسيحية الايفانجليكية فى الحزب الجمهوري.وبعد 11 سبتمبر 2001 مباشرة دعى برنارد لويس إلى لقاء ع الرئيس (بوش الابن) ونائبه(رامسفيلد) وأعضاء مكتب سياسات الدفاع ليقدم لهم فهمه للشرق الأوسط والعالم الإسلامي والدور الذي يجب أن تلعبه فيهما الولايات المتحدة . في هذا اللقاء أقر المستشرق" استخدام القوة العسكرية الأمريكية للإطاحة بصدام حسين ونظامه مؤكداً لمستمعيه أنه بعد تحقيق ذلك سوف تستطيع الولايات المتحدة سبك وتشكيل العراق ليكون نموذجاً للديمقراطية في المنطقة.أما خطاب أوباما في جامعة القاهرة فى يونيو 2009 فجاء تنويعاً على اللحن الأساسي الذي هو الاستشراق الأمريكي المؤسس على أسطورة" القدر الواضح : ، قدر أمريكا "العالم الجديد" ، الذي ليس لها فيه اختيار وهو قيادة العالم نحو المدنية والفضيلة أو "أمركة العالم" كما قال روزفلت عام 1898.يقدم المترجم بعد الفصول التسعة ثلاثة عشر ملحقاً إضافياً من عنده مضافة للطبعة العربية من بينها قرار تأميم قناة السويس ،ومبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط ،وخطاب السادات في الكنيست ،وخطاب أوباما في جامعة القاهرة.المؤلف والمترجمدوجلاس ليتل تخرج فى جامعة ويسكنسون 1972 وحصل على الدكتوراه من جامعة كورنيل .ويعمل أستاذاً للتاريخ بجامعة كلارك . متخصص فى تار
الاستشراق الأميركي.. خمر قديمة فـي قوارير جديدة
نشر في: 27 فبراير, 2010: 05:04 م