اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "جراحات قلب" طارق الطاهري

"جراحات قلب" طارق الطاهري

نشر في: 19 سبتمبر, 2017: 09:01 م

   لا أحد منا، طلاب ومدرسين يحمل في مدوناته الشخصية اليوم، صورة طارق شفيق الطاهري، الشاعر ومدرس اللغة العربية في مدارس البصرة في الحقبة الممتدة من من العام 1956-1990 من القرن الماضي، ولا أحد يتذكره. المدن العراقية ما زالت تقتل أبناءها، تهملهم وتتركهم واقفين على عتبات أبوابها ينتظرون.  الببلوغرافيات والمعاجم أيضاً، تقتلهم حين لم يفرد أحدها عنه سوى أنه: "ولد في البصرة وتوفي فيها، عاش في العراق، عُيّن مدرساً في متوسطة المربد وختاماً في ثانوية البصرة، التي ظل فيها حتى وفاته، وكان عضوا في جمعية المؤلفين العراقيين".
  ولأنه كان درّسني النحو في متوسطة النضال بالبصرة القديمة، لأنني ما زلت أتهجى صورته وهو يقف كل خميس وسط حشد الطلاب والمدرسين ينشد قصيدة جديدة، لأنَّ شعره لمّا يزل ماثلا، يسرحه الى الخلف، متطلعا الينا في الحصة بعيوناته الداكنة، التي تعلمت منها الكثير، وعرفت كيف ستكون عينا الشاعر فيما بعد، لأنه القصير النحيل الظامر بالبذلة الزرقاء، سأظل أبحث في مدونات العم جوجل وفي خرائط المدارس المفقودة عن صورة له، بل سأل زملاءه عن شعره وغربته وغيابه ونسيانه- كان محمود عبد الوهاب، الكاتب والقاص حدثني طويلا عنه وعن شقيقتيه، عن نتف نادرة في تاريخه الشخصي، وعن رغائبه ومعتقده وميوله- وهذا ما لا يمكنني البوح به.سانطوي على ذلك مثلما انطوى في غيابة الأيام والليالي الشاعر الذي كتب (جراحات قلب).
  حتى وقت قريب، كنت أرى ديوانه الوحيد هذا(جراحات قلب) معلقاً في باطن باب مكتبة عبد هزّاع، مقابل الاعدادية المركزية بالعشار، معلقاً على خيط من البريسم، مع الاوراق والاقلام ودفاتر الرسم الملونة، يظهره في الصباح، كلما فتح باب المكتبة ويخفيه قبل غروب كل شمس. القلب الأحمر الذي يقطر الدم في صورة الغلاف والخطوط الراعشة وصورة الشاعر على الغلاف الاخير، وفي الاسفل تعريف بسيط بالكتاب (طبع بمطبعة حداد بالبصرة) .
  الآن، وقد أنطوت قرون أربعة وشيّد أصحابُ المال فندق أور، في المكان الذي كانت المكتبة فيه، وأزيحت الى الابد أسوار شركة البردي المضغوط، التي كانت لصقه وشوهت المحال المرتجلة معالم المكان كلها، لكنني، ما زلت ألوي بعنقي الى صورة الكتاب المعلقة في باطن باب المكتبة كلما مررت من هنا. حروف كثيرة سقطت من قصائده، ما زالت تستوقفني. في الحقيقة، أنا لم أقرأ الديوان، بل وما تصفحته، أبداً، ما كنت أمتلك الجرأة لأسأله نسخة منه. كان مدير المدرسة (كاكا كمال) يصفه ببلبل المدرسة الغريد، وكنا نقف منصتين لإنشاده، كلمات وجمل طويلة، أسطر وأبيات كتبت موزونة مقفاة، أنّى لي أن أسأله؟
  لم يبق من عناوين درس(الانشاء والتعبير)التي كان يقترحها علينا للكتابة بعبارته الجميلة:" أكتب في أحد العناوين التالية" سوى عنوان قصير واحد(ذبابة مغرورة) على كثرة العناوين تلك، ربما كانت عناوين لقصائد لم تكتمل في قلبه الصغير، أو أنه راح يجربها على اللوحة.ترى، بأية جملة سيشرع تلميذ في الصف الثاني او الثالث المتوسط ليكتب عن ذبابة مغرورة، أو حتى غير مغرورة، من منا كان يميز بين الذباب، وكيف ستبدو المغرورة من المتواضعة الخجولة. لم يكن الطاهري شاعرا مدرساً، بلبلاً غريداً، يقرأ قصيدة في خميس كل اسبوع بمتوسطة النضال ، التي تصلها عابرا جسر غربان بالبصرة القديمة كان ديوانه "جراحات قلب"، الذي لم أقرأه، ولم اتصفحه حتى، قد غير حياتي كلها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram