مرت قبل أيام الذكرى العاشرة لرحيل المخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني، الذي يعد أحد أساطين الإخراج ورمزاً مهماً من رموز الواقعية الإيطالية الجديدة التي تبلورت بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية..
كان انطونيوني متعدد المواهب، فخريج الاقتصاد والموظف بأحد المصارف المهمة والمنحدر من عائلة ثرية، كان في طفولته مولعاً بالعزف على الكمان والرسم، والذي لم يتخل عن هذه الهواية الى أن استولى عليه عشق السينما، وحتى في السينما لم يكتف بالوقوف خلف الكاميرا، بل عمل ككاتب سيناريو، ومونتيراً وكاتب قصة قصيرة.
اقترب من مشروع الواقعية الإيطالية منذ بداية عمله في السينما. ففي عام 1942، عمل مع روبرتو روسيليني بكتابة سيناريو فيلم "عودة طيار"، كما عمل مساعد مخرج في فيلم "إنريكو فولتشنيوني"، وساعد مارسيل كارنيه في فيلم "زوار المساء" ثم بدأ بالعمل على سلسلة من الأفلام القصيرة حمل أحدها عنوان (ناس من وادي بو)، تحكي قصة صيادين فقراء من وادي بو.
وتُعد أفلام روسلليني وفيتوريو دي سيكا، خلال تلك الفترة، تعبيراً عما صار يُعرف بالواقعية في إيطاليا، التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية. حيث الموضوعات القريبة من الشعب ومن قضاياه ومن همومه، والتصوير خاج الاستوديوهات، منشغلين بهموم المواطن الفقير، بلا أي تأثير وبموضوعية. فقد كانت افلام فيسكونتي وروسلليني وفيتوريو دي سيكا، مخلصة لمبادئ الواقعية الايطالية.. ويُضاف لها فيلم (أناس وادي بو) وهو الوثائقي الأول لأنطونيوني، ليكون ممثلاً بذلك المدرسة الواقعية، ثم سرعان ماينفصل عنها لينهج سينما جديدة اطلق عليها النقّاد مابعد الواقعية الإيطالية الجديدة.
قدم انطونيوني تجارب لسينماه الخاصة التي اعتمدت موضوعات جديدة تتناول الطبقة المتوسطة، اضافة الى تكريس اسلوبه الخاص الذي عرف به، حيث استخدامه للقطات الطويلة والمشاهد، وابتعاده عن السرد التقليدي، وخلق لغة بصرية خاصة به تعتمد الايقاع البطيء .
وقسّم بعض النقاد خلاصة تجربة انطونيوني بتقسيم أفلامه الى مرحلتين: المرحلة الإيطالية وتمثلها رباعيته: (المغامرة) 1960، (الليل) 1961، (الخسوف) 1962، و (الصحراء الحمراء) 1964. وشارك فيها النجمة مونيكا فيتي وهي صديقته.
ثم مرحلته العالمية، التي حقق أفلاماً تتحدث الانكليزية، واهمها (بلو اب) إنتاج 1966 الذي نال عنه السعفة الذهبية في مهرجان كان، وهو من تمثيل ديفيد هيمينغز وفانيسا ريدغريف عن قصة للكاتب الأرجنتيني خوليو كورتاثار، ثم (نقطة زابرسكي) 1970، وأخيراً (المهنة صحافي) أو (المسافر) بطولة جاك نكلسون.
وعلى الرغم من وضوح مسيرة انطونيوني واختلافه عن باقي مخرجي الواقعية الايطالية، إلا أنه كان اكثر تمسكاً بإيطاليته، فتجاربه بالعمل خارج ايطاليا اكتنفتها صعوبات جمّة، وهذا ينسحب على أفلامه الناطقة بالإنكليزية..
فتجربته قبل وفاته في هوليوود، كانت تجربة مريرة. حيث أوقف مشروع فيلمه بسبب خلافه مع الشركة المنتجة واضطراره فيما بعد، الى مغادرة امريكا غير آسف.. دعت أنطونيوني حكومة ماو في جمهورية الصين الشعبية إلى زيارة البلد. أنجز إثر ذلك الفيلم الوثائقي تشونغ كو، الصين، ولكن السلطات الصينية نددت بهذا الفيلم معتبرةً إياه "معادياً للصين" و(معادياً للشيوعية).عرض هذا الفيلم الوثائقي لأول مرة في الصين عام 2004 في بكين بمهرجان أفلام استضافته أكاديمية بكين للأفلام، لتكريم أعمال مايكل أنجلو أنطونيوني.
انطونيوني.. بعد الواقعية الإيطالية
[post-views]
نشر في: 20 سبتمبر, 2017: 03:15 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...