منذ أشهر وإعلان البيع معلّق على واجهة الدار، مدون تحته رقم هاتف لغرض الاستفسار عن السعر والمساحة وآلية البيع، لكن يبدو أنه لم يصل أحد الى اتفاق حول موضوع الشراء، إن كان بسبب الموقع أو السعر أو مساحة الدار.. وغيرها من الأسباب. هذا الأمر يشمل الكثير من
منذ أشهر وإعلان البيع معلّق على واجهة الدار، مدون تحته رقم هاتف لغرض الاستفسار عن السعر والمساحة وآلية البيع، لكن يبدو أنه لم يصل أحد الى اتفاق حول موضوع الشراء، إن كان بسبب الموقع أو السعر أو مساحة الدار.. وغيرها من الأسباب. هذا الأمر يشمل الكثير من الدور المعروضة للبيع في شتى أرجاء العاصمة ويبدو أن هذا يعكس حالة كساد كبرى في حركة بيع وشراء الدور السكنية. ويتجه الكثير من المواطنين الى شراء الشقق السكنية في المجمعات قيد الإنشاء أو شراء قطع أراض وتشيّدها عبر القروض الحكومية، حسبما أكد عدد من سماسرة العقارات، معللين الأمر بالأزمة المالية التي ضربت البلاد في العام 2014 بعد هبوط أسعار النفط من 120 دولاراً للبرميل الواحد إلى أقل من 40 دولاراً".
التوجّه صوب البيوت الصغيرة
اصحاب مكاتب العقارات التي تزايدت بشكل لافت في الأعوام الخمسة الأخيرة، لحركة البيع والشراء وتوفر السيولة المالية، فضلاً عن هجرة الكثير من العوائل، إن كان من المكونات العراقية أو تلك التي تبحث عن حياة مستقرة واضطرارهم لبيع دورهم السكنية التي شطرت الى أكثر من مشتمل بعد شرائها من قبل تجار العقارات.
حسن القريشي صاحب مكتب بيع وشراء الدور والأراضي في بغداد الجديدة بيّن لـ(المدى): إن سوق العقارات يعاني كساداً وشبه توقف لحركة البيع والشراء منذ عام 2014، عازياً سبب ذلك الى نقص السيولة المالية وتراجع الاوضاع الامنية وغياب الاستقرار السياسي، ما انعكس على أهمّ مفصل اقتصادي متمثل بقطاع السكن. لافتاً الى أن، أسعار الاراضي والعقارات انخفضت بنسبة متفاوتة من منطقة الى أخرى، حسب توفر الخدمات ومساحة الدور السكنية وموقع قطع الأراضي.
ويوضح القريشي، بسبب الأزمة المالية وقلّة السيولة، اتجه المواطنون إلى شراء البيوت الصغيرة التي تسمّى (مشتملات) التي تبلغ مساحتها بين 50 إلى 70 متراً وربما أقل من ذلك، ما تسبب بارتفاع أسعارها قياساً بالبيوت ذات المساحة الكبيرة أو المتوسطة، مؤكداً إن الأسعار في منطقة بغداد الجديدة، قد تكون مقبولة نوعاً ما، إذ تُعد من المناطق المتوسطة قياساً بالمنصور والكرادة ومناطق أخرى. منوهاً الى أهمية أن تضع خطة لقطاع السكن وإنهاء معاناة الناس الذين يسكنون دوراً بالإيجار.
المواطن علي خالد العكيلي، كان يروم بناء قطعة أرض سبق وأن أشتراها بما أدخره من مال، لكنه تردد مؤخراً واحتفظ بالسيولة جراء صعود المواد الداخلة بالبناء والتكاليف العالية التي ربما تجبره على الاستدانة في وقت هو غير مستعد به لذلك. منتظراً فرصة ملائمة للشروع بالبناء متمثلة بتوفر مواد انشائية بأسعار ملائمة أولاً، وتوفر الخدمات ثانياً، ناهيك عن فتح القروض المصرفية.
فيما تنتظر فردوس يوسف، موظفة حكومية، فتح تلك القروض بشروط ميسّرة للجميع، كي تكمل بناء الدار التي تسكن فيها منذ عام تقريباً دون أن تجهّز الكثير من مرافقها، خاصة الطابق العلوي وتغليف واجهة الدار. داعية الى ضرورة أن تنظر الجهات الحكومية لهذا الأمر بشكل جديد وجدّي يسهم بحل أزمة السكن وتوفير ما يمكن للمواطن الراغب بالبناء والتخلّص من الإيجار.
البناء بالتقسيط حل مؤقت
بسبب الأزمة المالية التي تمر بها البلاد التي أجبرت الحكومة على اتباع سياسة التقشف واستقطاع رواتب الموظفين والمتقاعدين، ما انعكس على المستوى المعيشي للكثير من الشرائح، وأجّل موضوع شراء أو بناء دار في الوقت الحاضر أو التوجه صوب المناطق الزراعية أو أطراف العاصمة، حسبما ذكر المقاول مهدي كريم لـ(المدى). مبيناً، شبه توقف لأعمال البيع والشراء. بالتالي البناء، ما أجبرهم على تقديم عروض تبدأ البناء بالتقسيط شهرياً أو فصلياً كما يريد المواطن، مشدداً على أنه، لم يكن أمامهم غير ذلك لأجل إنعاش سوق البناء والعمل الذي تحرك لبضع سنين، لكنه عاد وانتكس بعد 2014 بسبب الأزمة المالية أولاً، وغياب السياسة الاقتصادية الواضحة ثانياً، حسب رأي كريم. وينوّه المقاول إلى: ضرورة فتح القروض الميسّرة وتسهيل عمل صندوق الإسكان والعقاري بمنح القروض لأجل البناء، فضلاً عن إعادة العمل بشراء المواد الإنشائية من الشركة العامة لتجارة المواد الإنشائية التي كانت تبيعها بأسعار مناسبة لمن يرغب بالبناء. مستطرداً، إن ذلك يدفع بإعادة تنشيط قطاع البناء والسكن في البلاد عامّة والعاصمة بغداد خاصة.
فيما وصف البنّاء محمد علي موسى، توقف حركة البناء وتشييد الدور، بالأمر الخطير على سوق العمل، منوهاً الى ضرورة وضع معالجة حكومية لهذا الأمر الذي ينعكس سلباً على آلاف العوائل التي توفّر قوتها من العمل في قطاع البناء. مشدداً على ضروة تنشيط الوضع الاقتصادي وتوفير مستلزمات البناء وفرز قطع الأراضي وبيعها لمن يرغب وبالتقسيط، كما هو معمول به في مختلف الدول.
بهذا الشأن، أكدت وزارة التخطيط، أن 13% من العراقيين يقطنون في العشوائيات، مبينة أن النسبة الأكبر منهم في بغداد. فيما كشفت عن وضعها خطة لمعالجة الملف عبر تشريعات قانونية وبناء مجمعات سكنية بالتنسيق مع الأمم المتحدة والجهات الرسمية في البلاد. وذكر المتحدث الرسمي للوزارة عبد الزهرة الهنداوي في بيان صحفي، إن جهداً تبذله الحكومة العراقية بالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية من أجل معالجة ملف العشوائيات في العراق. مضيفاً، أن العمل يأتي على محورين بحسب الخطة المرسومة، الأول من خلال معالجة ظاهرة العشوائيات، والآخر الحدّ من زيادتها. مؤكداً إن عملية أخرى تسعى إليها الحكومة تكمن ببناء مجمعات سكنية تمنح لمستحقيها معالجة أزمة السكن في البلاد.
ثلاثة ملايين ونصف المليون وحدة سكنية
خبراء اقتصاديون حمّلوا الحكومة مسؤولية حالة الكساد لعدم توفيرها سياسة سكنية واضحة في البلاد والمساهمة بحل أزمة السكن التي تعانيها نسبة كبيرة من المواطنين. الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطوان، ذكر إن العراق يحتاج الى ثلاثة ملايين ونصف المليون من عدد الوحدات السكنية لحل أزمة السكن، مسترسلاً إن، العراق في بداية السقوط كان يحتاج الى مليون و600 الف وحدة سكنية، ولكن بالنظر الى الزيادة السكانية والتي هي بنسبة 3% سنوياً أي مليون نسمة خلال الأربع عشرة سنة الماضية، بالتالي يحتاج البلد اليوم الى ثلاثة ملايين ونصف المليون وحدة سكنية، لحل أزمة السكن التي باتت مقلقة، لافتاً الى أن "المليون نسمة تحتاج الى بناء 190 الف وحدة سكنية، بينما لا يبنى وبحسب احصائيات أمانة بغداد، سوى 30 الى 40 ألف وحدة سكنية سنوياً.
ويوضح أنطوان أن، العراق يحتاج إلى ما يقارب 25 سنة لحل مشكلة السكن في حال وضع خطة ستراتيجية لبناء 250 ألف وحدة سكنية سنوياً، ومن خلال مختلف وزارات ودوائر الدولة والعمل تحت شعار (أسرع بناءً، أكثر وحدات، أقل كلفة) لخدمة المواطن، لافتاً الى أن حل المشكلة يحتاج الى قرار، ولا يوجد اليوم هكذا قرار، رغم أن الدستور نصَّ في المادة 30 على اجبار الحكومة والبرلمان على توفير السكن وفرص العمل والتعليم المجاني.
بهذا الشأن، سبق وأن أعلن رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار سامي الأعرجي، أن العراق يحتاج إلى 2.5 مليون وحدة سكنية في السنوات العشر المقبلة، مؤكداً وجود 400 فرصة استثمارية جاهزة ومتاحة أمام رجال الأعمال والمستثمرين والشركات الأجنبية في قطاعات النفط والكيماويات والصناعة والزراعة والعقارات والنقل والمطارات والموانئ وإنتاج الكهرباء والإسكان، مبدياً الرغبة في الشراكة والتعاون مع شركات الإمارات لتنفيذ هذه المشاريع، والاستفادة من خبرتها المميزة.
انعكاس الركود على الحرفيين والعمال
أما المختص بالعقارات كاظم الإبراهيمي، فقد لفت الى أن، انخفاض اسعار العقارات وركود حركة البيع والشراء والبناء، ليس بسبب شح الكتلة النقدية فقط، مسترسلاً، فهناك أسباب أخرى عديدة، من بينها الحرب ضد داعش وما خلفتها من سلبيات، فضلاً عن ارتفاع المواد الداخلة في البناء بشكل خاص، الحديد والطابوق وأجور الأيدي العاملة. منوهاً الى أن، أهمّ معالجة لهذا القطاع هي إعادة العمل بتوزيع قطع الأراضي على المواطنين وفتح قروض المصرف العقاري أو بناء مجمعات سكنية لموظفي الدولة من قبل شركات محلية. ويؤكد الإبراهيمي بحديثه لـ(المدى) نحتاج في الوقت الحالي الى وضع خطة علمية اقتصادية تشجيعية للخروج من هذه الأزمة وتنشيط حركة العقارات والبناء. مشيراً الى أهمية تبني ستراتيجية معينة تضع أسسها الحكومة بجهاتها المعنية مع شركات عالمية مختصة بهذا الشأن، والاستعانة بالقطاع الخاص العراقي أيضاً. موضحاً أن المشكلة ليست بالعويصة أو المستحيلة إذا ما أريد حلها، لكن الذي يبدو، أن هناك من يضع الحجر أمام عجلة البناء.
ويستطرد الإبراهيمي: كساد سوق العقارات وركود عملية البناء والإعمار للدور السكنية، ألقيا بظلاليهما السلبية على المهن المرتبطة بها، وأحالت عشرات الآلاف من الحرفيين المهرة والعمال الكفوءين إلى عاطلين عن العمل بل إن بعضهم أخذ يفكر بترك المهنة والاتجاه الى أخرى. إذ تحول الكثير منهم الى سائقي سيارات تاكسي. وينوه أيضاً الى ركود في سوق الكهربائيات والتجهيزات الأخرى من الحصى والرمل والطابوق ومعامل الكاشي والشتايكر، التي تشكو بالأساس من المستورد. محذراً من ديمومة هذا الركود الذي يجب وضع المعالجات اللازمة له. فيما ركّز المقاول الثانوي سالم محسن بحديثه لـ(المدى) على تخوف المواطنين من الوضع الأمني والحرب ضد داعش وسياسة التقشف الحكومي، ما دفعهم للمحافظة على ما يملكون من سيولة نقدية وإدخارها لأيام مقبلة. مشدداً على أن الكثير من المواطنين ممن سبق لهم وأن عرضوا دورهم للبيع بأسعار معينة، عادوا وخفّضوا تلك الأسعار بنسبة وصلت الى النصف في بعض مناطق العاصمة بغداد، بخاصة الشعبية منها. مؤكداً إن المناطق التجارية أو الاحياء الراقية، حافظت نوعاً ما على استقرار أسعار العقارات، إن كانت دوراً مشيّدة أو قطع أراضٍ وعمارات.