اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قوة الشخصية الفنية

قوة الشخصية الفنية

نشر في: 29 سبتمبر, 2017: 09:01 م

كان حضور الفنان العظيم فائق حسن كبيراً، وكانت شخصيته الفنية بالنسبة للرسامين الآخرين هي الغايَةُ والمَثَلُ الذي يجب أن يصله أو يكون عليه الفنان. فهو حين كان يُشير بأصابعه القوية التي تشبة أصابع عمال البناء أو يُحَرِّكُ غليونه في الهواء، يبدو وكأن قوة خفية تضيء شيئاً ما بداخله وتمنحه هالة مقدسة وتأثيراً مليئاً بالسحر. كانت شخصيته الفنية مثالاً لا يقبل الشك لشخصية الفنان الذي يريدها الجميع ويتوق لملامسة جوهرها والوصول اليها، أو الاقتراب منها كحد ادنى. هو الذي أسس الرسم العراقي وخرج كل الفنانين تقريباً من بين ظلال فرشاته وأبوَّتهِ وقوَّة مهاراته التي لا تبارى، وتَعَلَّمَ الجميع من ألوانه الواثقة القوية المؤثرة. لقد دَرَّسَني فائق الرسم في الأكاديمية مثلما دَرَّسَ مئات الفنانين على مدى عقود طويلة، لهذا عَرَفتُ شخصيته وتأثيره وسطوة سحره التي يمتلكها بشكل تلقائي، غير متكلف ولا مصطنع، وهو بالإضافة الى مهاراته التي لا تشوبها شائبة، وقوّة فنَّهُ التي عرفها القاصي والداني، تبقى شخصيته الفنية عصية على التكرار، وليس من السهل أن يجود تاريخ الرسم العراقي في جميع أوقاته بشخصية فذَّة وساحرة مثل شخصية فائق، أقول هذا الكلام رغم أني قد تعرفت والتقيت بفنانين مؤثرين وكبار ورائعين من كل العالم، وأغلبهم يتمتعون بشخصيات رائعة وغريبة وقوية ومؤثرة، لكن فائق حسن رغم بساطته الكبيرة تبقى شخصيته برأيي الشخصي، تملك شيئاً يشبه رنين الذهب، إنه الجمال الذي يقترب من الحكمة والمعلم الذي تحول الى نصف إله وهو يتجول بين أروقة الأكاديمية.
علـى مرِّ التاريخ كان هناك فنانون كثيرون يمتلكون شخصيات في غاية التأثير والقوة والتفرد، شغلوا مساحات واسعة بتأثيرهم، وتَتَطَلَّعُ الناس وتندهش بحضورهم وحتى بغيابهم، مثل يوجين ديلاكروا الذي يصفه معاصروه بالقوة والهيبة ويُشَبِّهونَهُ بواحد من تلك النمور التي كان مغرماً برسمها. زعيم الرومانتيكيين هذا ترك حينها سطوته على الجميع. وهناك الفنان غوغان المشاكس غريب الأطوار الذي لا يتوانى عن اعلان رأيه وحضوره حتى وأن تطلب ذلك استخدام يديه. وكذلك الفنان دييغو ريفيرا صاحب الجداريات العظيمة في المكسيك وتأثيره على كل المحيطين به، هذا الفنان ضخم الجثة الذي أحبَّتهُ فريدا ووقعت في غرامه حتى اختلطت روحها بروحه. وكذلك مانيه الذي التَفَّ حوله الانطباعيون الشباب، ليعلنوا اول ثورة في الفن التشكيلي ويَخْطونَ خطواتهم الجريئة نحو تغيير جذري في الرسم. وهناك إيضاً فنان البوب آرت أندي وارهول الذي كان أغلب زائري معارضه يحضرون لرؤيته هو وليس لمشاهدة أعماله الطباعية.
وفِي خضم كل هذا لا يمكننا أن ننسى اهم شخصية فنية أثرت كثيراً وغَيَّرَت نظرة الناس للفن خلال قرن كامل من الزمان، إنه الأسطورة بيكاسو الذي بَسَطَ ظلاله على  كل ملامح الفن الحديث وتأثر به عشرات الآلاف من الفنانين في كل بقاع العالم، هذا الفنان الاستثنائي الذي لم يكن يتردد بتشبيه نفسه بثور جامح، كان قد قام بزيارته مصوراً فوتغرافياً بِنيَّةِ تأليف كتاب عنه مع الكثير من الصور، ولكن بعد زيارات امتدت لبضعة أسابيع لمرسم بيكاسو قام المصور بتمزيق كل ما كتبه وصوره، واكتفى بصورة واحدة فقط كان قد صورها لبيكاسو من الخلف وهو عارٍ تقريباً ولا يرتدي سوى الشورت القصير، وكتب على الصورة (بيكاسو هو الشخص الوحيد الذي استطاع أن يدير ظهره للعالم) .
أعود لأستاذنا فائق حسن الذي كانت لشخصيته الفنية ضرورة تاريخية في وجود وولادة الرسم في العراق. سلام ومحبة وعرفان له كفنان وانسان ومعلم فتح الطريق أمامنا، وأوصلنا الى محطة معينة، لنكمل بعدها خطواتنا الملونة، كُلُّ واحد بطريقته وأسلوبه وما يناسب شخصيته ورؤيته الفنية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram